رسالة إلى
كل من أراد التوبة
إهداء من
حسين بن عبد البديع ا الفقي
تاريخ الإرسال
(1428هـ / 2007 م ). رسالة إلى كل من أراد التوبة
إلى الذين أرادوا الإيمان ونور الإسلام.
إلى الطامعين في رغد العيش و طلبوا لذة الإنعام
إلى الراغبين في لذة الاطمئنان وبرد الراحة
إلى الذين يطلبون الأنسَ والسعادة .
إلى هؤلاء جميعاً أقول: اسألوا التائبين يومَ ذاقوا طعم الإيمان، وعادوا إلى طاعة الملك الديان ، وأنابوا إلى الرحيم الرحمن، ما خبر ما عندكم ؟!.
واللهِ ثم والله ما رأيت تائباً إلا وقالها، ولا نادما إلا وأعلنها... صرخاتُ متوجعٍ وزفرات مذنب، وآهات نادم اختصروها بكلماتٍ فقالوا: نشعرُ بالسعادةِ للحظات، وقت الشهوة فقط وعند الوقوع بالمعصيةِ واللذة، وبعدها قلقٌ وحيرةٌ وفزعٌ واضطرابٌ وضياع وظلام شكوكٌ وظنون، وبكاء وشكوى، عقد وأمراض نفسية. هذا حالنا وذاك خبر ما عندنا. وصدق الله جل وعلا إذ يقول:
{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى } طه123
إذا فهو في أمان من الضلال والشقاء، متى ؟
بالهداية والاستقامة على هدي الله.
والشقاء ثمرة الضلال ولو كان صاحبه غارقا في متاع الدنيا بأسرها، فما من متاع حرام إلا وله غصة تعقبه، وضيق يتبعه، لذلك قال الله عز وجل بعد هذه الآية : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} طه124
فلا راحة لباله، ولا طمأنينة لقلبه، ولا انشراح لصدره، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلقٍ وحيرة وشك، فهذا من ضنك المعيشة .... فيا رب
يارب إن عظمت ذنـوبي كثرة
فلقد علمت بـأن عفـوك أعظم
إن كان لا يرجـوك إلا محسن
فبمن يلـوذ ويستجيـر الآثـم؟
أدعوك ربي كما أمرت تضرعا
فإذا رددت يـدي فمن ذا يرحم ؟
مالي إليك وسيلـة إلا الرضـا
وجميـل عفـوك ثم إنـي مسلم
فيامن كنت من العصاة وأردت التوبة إلى الله . هيا ..
هيا ولنبدأ الطريق بوقفة على باب أحد العلماء ..
ودعني أنا وأنت نشكو له الداء ، ونطلب منه الدواء ، وقفة على باب إبراهيم ابن أدهم رحمه الله، لنتعلم كيفية مجاهدة النفس وتربيتها على طاعة الله ، والبعد عن معصية الله
جاء رجل إلى إبراهيم ابن أدهم رحمه الله وقال له يا إمام : إني رجل كثير المعاصي، وأخشى عذاب الله فدلني على ما أفعل ؟!
فقال له ابن أدهم: عليك بأشياء خمسة، إن فعلتها فاعص الله كما تشاء بما تشاء ،!
فاستبشر الرجل وقال له هاتها ، فقال له :
أما الأولى : فإذا أردت أن تعصي الله فاعصه في مكان لا يراك فيه،!
عجبا وهل يوجد مكان لا يراه الله ؟! سبحانه .. "لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء" ... " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور"... هات الثانية
وأما الثانية : فإذا أردت أن تعصي الله فاعصه بعيدا عن ملكه،!
فقال الرجل : هذه أعجب من الأولى ، وهل هناك شيء إلا هو واقع في ملك الله؟!
فقال: وأما الثالثة : فإذا أردت أن تعصي الله فاعصه ولا تأكل من رزقه،!
قال الرجل: والله هذه أعجب من صويحباتها ، فلا رازق إلا الله .... هات الرابعة.
فقال: وأما الرابعة : فإذا جاءك ملك الموت فقل له أمهلني ساعة حتى أتوب ،!
فقال الرجل : كيف وقد قال : إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون؟!
فقال له: وأما الخامسة : فإذا أتاك ملائكة العذاب فلا تذهب معهم ،!
فبهت الرجل ، وبدت عليه علامات الأسى والحسرة، وهنا تلقف إبراهيم بن أدهم قلب الرجل وقال: أيا عبد الله، كيف تعصي الله وهو يراك، وأنت تجلس في ملكه، وتأكل من رزقه ثم إنك لا تستطيع أن تؤخر نفسك ساعة لتتوب، ولا أن تفر من عذابه وكيف وأنت لا تستطيع من ملائكته الهروب ؟! فقال الرجل : تبت إلى الله.
فإذا كان الأمر كذلك ؟! فأين يجد من يعصي الله الراحة ؟!
لا راحة للقلب ولا استقرار ... إلا في رحاب الله العزيز الغفار. ولا سعادة للأنام إلا في الاستقامة والالتزام بأوامر الملك العلام.
فيا من عصيت الله هيا وكن من التائبين إلى الله...
وأعتق نفسك من أسر الهوى، وأطلق قلبك من سجن المعصية.
فيا من عصيت الله هيا وكن من التائبين إلى الله...
لتجد للطاعة حلاوة ، وللعبادة راحة، وللأيمان طعما، وللإقبال لذة.
فيا من عصيت الله هيا وكن من التائبين إلى الله...
وإن وجدت في قلبك حرقة، وفي وجهه أسى، ولتكن في دمعتك أسرار.
فيا من عصيت الله هيا وكن من التائبين إلى الله...
ولتكن منكسر القلب، غزير الدمعة، رقيق المشاعر.
فيا من عصيت الله هيا وكن من التائبين إلى الله...
وليعتصرَ قلبَك، ولتتألم مشاعرك، لتسيلَ دمعةُ منك على الخد، لعلها تطفئُ نيران المعاصي والذنوب.
فيا من عصيت الله هيا وكن من التائبين إلى الله...
وأخلوا بنفسكَ وأعترفِ بذنبك وأدعُ ربك وقل:
( اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فأغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ).
فيا من عصيت الله هيا وكن من التائبين إلى الله...
وأعترف بالذل والعبودية لله الواحد القهار. وألزم سيد الاستغفار والذي علمنا إياه النبي المختار
اللهم أنت ربي لا إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، اعوذ بك من شر ما صنعت، أبو لك بنعمتك علي وأبو بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
فيا من عصيت الله هيا وكن من التائبين إلى الله...
وجرب لذةَ المناجاة مع الله ، وقل :
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
أنت المعد لـكل ما يتوقـع
يا من يـرجـى للشدائـد كلهـا
يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائـن ملكه في قول كن
أمنن فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى فقـري إليك وسيلـة
فبالافتقار إليك ربي أضرع
مالي سوى قـرعي لبابـك حيلة
فلإن رددت فأي باب أقرع
حاشا لجـودك أن تقنـط عاصيا
الفضل أجزل والمواهب أوسع
ثـم الصـلاة علـى النبي وآله
من جاء بالقرآن نور يسطع
فيا من عصيت الله هيا وكن من التائبين إلى الله...
وذق طعمَ التوبةَ. وذق حلاوةَ الدمعةَ. واعلم أنه قد ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد (صلى الله علية وآله وسلم) رسولا )
وهل هناك طعم ألذ من طعم مناداة الله لك ... الله يناديك ؟! نعم ...
اسمع إلى ملكِ الملوك وهو يناديكَ أنت.
اسمع إلى جبارِ الأرضِ والسماواتِ وهو يخاطبك أنتَ، وأنت من أنت؟
اسمع للغفورِ الودود وهو يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } الزمر53
استمع إلى المولى العلي وهو يقولُ في الحديثِ القدسي : ( يا عبادي إنكم تذنبونَ في الليلِ والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعا، فاستغفروني أغفر لكم ).
استمع إلى العزيز الغفار وهو يقولُ سبحانه فيما أوحاه إلى النبي المختار:
" يا ابنَ أدم إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرتُ لك على ما كانَ ولا أبالي، يا أبن أدم لو بلغت ذنوبَك عنانَ السماء، ثم استغفرتني غفرتُ لك على ما كان ولا أبالي، يا أبن أدم لو أتيتني بقرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئاً لقيتكَ بقراب الأرضِ مغفرةً "
فيامن تماديت في العصيان ومبارزة الملك الديان ، يامن تماديت في ارتكاب المعاصي والسيئات، وبارزت ربك بالخطايا والموبقات ...
ما هو عذركَ وأنت تسمعُ هذه النداءات ... ممن؟! من الله ربِ الأرضِ والسماوات.
إن أسعد لحظات الدنيا يومَ أن تقفَ خاضعاً ذليلاً خائفاً باكيا مستغفرا نادما، فكلماتُ التائبينَ صادقةُ، ودموعُهم حارةُ، وهممهم قوية.ذاقواُ حلاوةَ الإيمانِ بعد مرارةِ الحرمان. وجدوا برد اليقينِ بعد نارِ الحيرةَ. عاشوا حياةِ الأمنِ بعد مسيرةِ القلقِ والاضطراب.
فلماذا تحرمُ نفسكَ هذا الخير وهذه اللذة والسعادة ؟
فإن كنت قد أذنبتَ فتب، وإن كنت قد أسأت فأستغفر، وإن كنت قد أخطأت فأصلح فالرحمةُ واسعةٌ والبابُ مفتوح.
وما أجله من موقف تشهده ملائكة الأرض والسماوات، إنه المشهد الذي تبتهج له الأكوان، وتسعد به ملائكة الرحمن ، وينتظره كل من وحّدَ الملك الديّان ، إنه مشهد تنزل الرحيم الرحمن- جل جلاله- ،!
يا الله ..... نعم الله يتنزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا وفي الثلث الآخر من الليل . الله يتنزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا ؟!
نعم تنزلا يليق بجلاله، ويتفق مع صفات كماله ، تنزلا كما شاء وبما شاء وكيف شاء سبحانه... سبحانه ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء ،! نعم يتنزل ربنا تبارك وتعالى في الثلث الآخر من كل ليلة ويناديك،!
أنا ؟! نعم أنت ، وأنت عن كل ذلك ساهٍ ، وأنت عن هذا الموقف المهيب لاهٍ ، الله ينادي عليك وعلى كل عباده فيقول وكما أخبر بذلك الرسول:
" ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له " ( )
ويحك أيها التائب لا تحقر نفسك، أما علمت أن التائب حبيب الرحمن ؟!وأن المنكسرين بقلوبهم بين يديه أصحاء ولو سقمت منهم الأبدان؟! وأن المقرين بالافلاس بين يديه هم الأغنياء بالافتقار لله الملك الديان؟! وأن من نكسوا رءوسهم ندما هم المرفوعون على الخلائق بإذن سيد الأكوان ؟! وأن المعترفون بالخطايا هم الفائزون بالمغفرة والرضوان؟!
فإن العبودية لله عزة ورفعة ولغيره ذل ومهانة.فهيا أسرع بالتوبة إلى الله ....
ولعلَ الكثيرين من العصاة المذنبين يتساءلونَ أين الطريقَ وما هو العلاج ؟
وأقولُ العلاجُ إجمالا ما قالهُ النبي $ لسفيانُ أبنُ عبد الله حينما قال يا رسولَ الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنُه أحداً غيرَك؟
فقال له الرسولُ $ ( قل آمنتُ بالله ثم أستقم ).
فيامن عصيت الله وأردت التوبة إلى الله ...
هيا ولنقل كما علمنا رسول الله آمنا بالله ، ثم لنستقم على طاعة الله ...
قال تعالى يخاطب نبيه: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } هود112
وما أزكاها من ثمرات تلكم التي يجنيها المستقيم على منهج رب البريات :{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } فصلت(31-33)
من منا لا يتمنى أن يكون هذا الذي تتنزل عليه الملائكة ؟! من منا لا يتمنى أن يكون هذا الرجل الذي تتلاقاه الملائكة ؟! من منا لا يتمنى أن يكون هذا الرجل الذي تبشره الملائكة ؟! هذا في الآخرة ، وأما في الدنيا فهي سعة العيش والمعيشة الرغدة الهنية، لقد كان العرب في جوف الصحراء يعيشون في شظف حتى استقاموا على الطريقة ففتحت لهم الأرض التي يغدقون فيها الماء، وتتدفق فيها الأرزاق. وصدق الله إذ يقول (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ).
وأما عن تفاصيل طريق العودة إلى الملك الوهاب، فيكون ذلك بالأتي من الأسباب:
1) كن صاحب هدف وعش لمبدأ واعلم لماذا خُلقت.
أخي التائب قف مع نفسِك لحظاتٍ بعيداً عن الدنيا بذهبها ومناصبِها وقصورِها، اجلس مع نفسكَ بعيداً عن الأصحابِ والأولاد، أخلو بنفسك وأسألها لماذا أعيشُ ؟ وماذا أريد ؟ وما هيَ النهاية ؟ من أين أتيت ؟ وإلى أين سأذهب ؟
إن قرآننا علمنا أننا نعيش لغاية وهدف: { وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون}. فهل أنت تعيش لهدف أيها الأخ الحبيب ؟
وعلمنا أن كل شيء في حياتنا إنما هو لله:
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ }
الأنعام162-163)
فهل كل شيء في حياتك لله ؟
فلا تعملُ إلا ما يرضي الله، ولا تتكلمُ إلا بما يرضي الله، فلا ترضي إلا الله ولو سخطَ الناسُ كلُهم. وردد كل لحظه : لا إله إلا الله ، واعلم أن من عاش عليها صادقا مخلصا عاش عزيزا سعيدا، وأن من مات عليها صادقا مخلصا مات شهيدا .
فأجعلِ الهم هما واحدا ... هم الآخرةِ، هم لقاء الله عز وجل، هم الوقوفِ بين يديه:
{ يومئذٍ تعرضونَ لا تخفى منكم خافية }.
وتذكر قول الله :{ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } البقرة223
2) طلب الهداية من الله : واعلم أن إرادة الله فوق كل شيء، لكنها في علم الغيب، فما عليك إلا أن تحرص على الخير وفعل الأسباب للوصول إليه، مع التنبه لحيل النفس ومداخل الشيطان. فكن صادقا في طلب الهداية من الله الرحيم الرحمن، وصدق ربنا حيث قال: {فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } الأنعام125
إن رسول الله $ كان يكثر في سجوده من قول:
"اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"
فكيف بي وبك وبمن شابهنا من ضعاف الإيمان.
وها أنت تدعو في اليوم أكثر من سبعة عشر مرة، إن كنت ممن يحافظ على الصلوات المفروضة تقول (اهدنا الصراط المستقيم )، ولكن مع الأسف بدون حضور قلب وبدون تدبر للمعنى.
فأصدق مع الله بطلب الهداية، وجاهد النفس فإن الله عز وجل يقول: (واللذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).
وبعض الجهال والجاهلات يقولون: ماذا أفعل إذا لم يرد الله هدايتي؟
وأقول هذه شبهة نفيسة، ومدخل شيطاني عظيم لدى الكثير، وللإجابة على هذا نقول:
أتراك إذا طلبت النجاح في الامتحان تدرس وتقرأ وتحفظ وتسهر؟1 بلا شك سيكون الجواب منك " بنعم" ، لو قلنا لك مثلا لا تدرس ولا تقرأ ولا تسهر وإن كان الله أراد نجاحك فستنجح، أتوافق على هذا ؟ بلا شك سيكون الجواب منك " بلا" ،!
فوا عجبا ،! إذا لا بد من فعل الأسباب واطمع في تحصيل النتائج من الله الملك الوهاب ، سبحانه القائل في مجمل آي الكتاب : { فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى }
إذا فقبل مرحلةِ الهدايةَ لا بدَ من مرحلةِ المجاهدةِ وحبس النفس عن شهواتها، وتذكر حلاوةِ الصلة بينك وبين الله يهن عليك مر المجاهدةِ، فاطلب الهداية من الله بصدق، واحرص على فعل أسبابها لعلك أن تشعر بالسعادة والراحة في الدنيا والآخرة.
3) الحرص على مصاحبة الصالحين: ونبذ أهل الفسق والفجور، فإنهم لا يهدئون حتى تكون مثلهم، وتذكر نصيحة العابد العالم لقاتل التسعة والتسعين نفسا بقوله له : " اخرج من أرضك فإنها أرض سوء ، واذهب إلى أرض كذا فإن فيها قوما يعبدون الله "
فاحرص على صحبة من إذا رأته ذكرك بالله ، وإذا كلمك خوفك من الله .......
واعلم بأن المرء على دين خليلة فلينظر أحدكم من يخالل ، وإياك ثم إياك أن تشتري رضا الناس بسخط رب الناس:
فليتك تحلـوا والحيـاة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامـر
وبيني وبين العالمين خـراب
إذا صح منك تالود فالكل هين
وكل الذي فـوق التراب تراب
4) كثرة ذكر الله :
تهليلا وتسبيحا وتحميدا وتكبيرا فأكثر من ذكر رب البريات تفز بمضاعة الحسنات، والفوز بأعلى الدرجات.
عن أي هريرة رضي الله عنه قال :
( أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم) فقالوا: ذهب أهل الدثور (أي أهل المال الكثير) بالدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال ، يحجون ويعتمرون ويتصدقون)
فقال $ ( ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا بلى يا رسول الله.)
قال ( تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين).
قال أبو صالح الراوي عن أي هريرة لما سأل عن كيفية ذكرهن قال:
يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثين.10
وزاد مسلم في روايته ( فرجع فقراء الهاجرين إلى رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم) فقالوا سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال (صلى الله علية وآله وسلم): ذلك فضل الله يأتيه من يشاء).
وعن سعد أبن أبي وقاص رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله (صلى الله علية وآله وسلم) فقال
أيعجز أحدكم أن يكسب في كل يوم ألف حسنة فسأله سائل من جلساءه كيف يكسب ألف حسنة ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة).
والأحاديث في مثل هذه الفضائل كثيرة جدا ومستفيضة.
أسألك بالله أليس محروما من ترك مثل هذه الأذكار ؟
فمن منا لا يرغبُ أن تُغفرَ خطاياهُ وإن كانت مثل زبدِ البحر؟
ومن منا لا يرغبُ أن يكسبَ آلف حسنةٍ أو يحط عنه ألفُ خطيئةٍ؟
ولكن بعض الناسِ لم يسمع بهذه الأحاديثِ قط فضلا على أن يحرص على فضلها ؟
أليسَ هذا من الحرمان ؟ وصدق الله:
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } الرعد28
5) أحدث لكل ذنب توبة: وإياك، إياك من المللَ من التوبةِ ولو تبت من الذنبِ الواحدِ آلف مرةٍ، وأحذر من ضعف النفس وحيل الشيطان، فربما يحدُثك الشيطان أنك منافقٌ أو مخادعٌ لله بكثرةِ توباتك، والمهم أن تكون صادقا في التوبة والندم والإقلاع، وكلما رجعت للذنبِ بضعفٍ النفس أرجع للتوبة. هو التواب الرحيم .. الذي وسعت رحمته كل شيء ..رحمته قريبة من المحسنين .. الرجاعين التائبين ..
الذين إذا أذنبوا استغفروا .. وإذا ذُكِّروا ذكروا ..
فهو القائل سبحانه: ( علم عبدي أن له ربُ يغفر الذنبَ ويأخذَ به، غفرتُ لعبدي، غفرتُ لعبدي، غفرتُ لعبدي فليفعل ما شاء).
وعن عقبة ابن عامر أن رجلا أتى النبي فقال :
( يا رسول الله إن أحدنا يذنب قال الرسول $ يكتب عليه، قال الرجلُ ثم يستغفر منه ويتوب قال يغفرُ له ويتابُ عليه، قال فيعودُ فيذنب، قال الرسولُ يكتب عليه، قال الرجل ثم يستغفر منه ويتوب، قال يغفرُ له ويتابُ عليه، قال فيعودُ فيذنب قال (صلى الله علية وآله وسلم) يكتبُ عليه ولا يملُ اللهُ حتى تملوا ).
فليست المشكلة في وقوع الذنب .. لكن المشكلة الكبرى .. والداهية العظمى ..
هي أن يألف المرء الذنب .. ثم يتساهل بخطره .. فلا يحدث منه توبة ..
والله رحيم بعباده ..رحمته أسرع من غضبه ..ومغفرته أعجل من عقوبته .. ومن سعة رحمته .. أنه عرض التوبة على كل أحد .. مهما أشرك العبد وكفر .. أو طغى وتجبر .. فإن الرحمة معروضة عليه .. وباب التوبة مشرع بين يديه ..
وانظر إلى ذاك الشيخ الهرم .. الذي .. كبر سنه .. وانحنى ظهره .. ورق عظمه .. أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو جالس بين أصحابه يوماً ..
يجر خطاه .. وقد سقط حاجباه على عينيه .. وهو يدّعم على عصا ..
جاء يمشي .. حتى قام بين يديّ النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال بصوت تصارعه الآلام ..
يا رسول الله .. أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها .. فلم يترك منها شيئاً ..
وهو في ذلك لم يترك حاجة .. ولا داجة .. أي صغيرة ولا كبيرة .. إلا أتاها ..
لو قسّمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم .. فهل لذلك من توبة ؟
فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره إليه .. فإذا شيخ قد انحنى ظهره .. واضطرب أمره ..
قد هده مر السنين والأعوام .. وأهلكته الشهوات والآلام ..
فقال له صلى الله عليه وسلم : فهل أسلمت ؟
قال : أما أنا .. فأشهد أن لا إله إلا الله .. وأنك رسول الله ..
فقال صلى الله عليه وسلم : تفعل الخيرات .. وتترك السيئات .. فيجعلهن الله لك خيرات كلهن ..
فقال الشيخ : وغدراتي .. وفجراتني ..
فقال : نعم ..
فصاح الشيخ : الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ..
فما زال يكبر حتى توارى عنهم .." ( )
6) أتبع السيئة الحسنة تمحوها: وكل ما وقعت بذنب أو معصية أكثر من فعل الخيرات، تصدق وأطعم المساكين، صلي ركعتين، أحسن إلى الوالدين، أحرص على كل خير، فإن الله عز وجل يقول
إن الحسنات يذهبن السيئات ).
والرسول (صلى الله علية وآله وسلم) يقول
وأتبع السيئة الحسنة تمحها ).
واعلم أنه بأقل الحسنات قد ترفع إلى أعلى الدرجات ، وذلك بشرط حسن القبول على الله رب الأرض والسماوات.
فهو والله أرحم بعباده .. من آبائهم وأمهاتهم ..
في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من حرب هوازن .. أُتي إليه بعد المعركة .. بأطفال الكفار ونسائهم .. ثم جمعوا في مكان ..
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليهم .. فإذا امرأة من السبي .. أم ثكلى .. تجر خطاها .. تبحث عن ولدها .. وفلذة كبدها ..
قد اضطرب أمرها .. وطار صوابها .. واشتدّ مصابها
تطوف على الأطفال الرضع .. تنظر في وجوههم .. يكاد ثديها يتفجر من احتباس اللبن فيه .. تتمنى لو أن طفلها بين يديها .. تضمه ضمة .. وتشمه شمة .. ولو كلفها ذلك حياتها ..فبينما هي على ذلك ..
إذ وجدت ولدها .. فلما رأته جف دمعها .. وعاد صوابها ..ثم انكبت عليه .. وانطرحت بين يديه .. وقد رحمت جوعه وتعبه .. وبكاءه ونصبه ..أخذت تضمه وتقبله .. ثم ألصقته بصدرها .. وألقمته ثديها ..
فنظر الرحيم الشفيق إليها .. وقد أضناها التعب .. وعظم النصب ..
وقد طال شوقها إلى ولدها .. واشتد مصابه ومصابها ..فلما رأى ذلها .. وانكسارها .. وفجيعتها بولدها ..التفت إلى أصحابه ثم قال :
أتُرَون هذه .. طارحة ولدها في النار .. يعني لو أشعلنا ناراً وأمرناها أن تطرح ولدها فيها .. أترون أنها ترضى ..
فعجب الصحابة الكرام : كيف تطرحه في النار .. وهو فلذة كبدها .. وعصارة قلبها ..كيف تطرحه .. وهي تلثمه .. وتقبله .. وتغسل وجهه بدموعها .. كيف تطرحه ..وهي الأم الرحيمة .. والوالدة الشفيقة ..
قالوا : لا .. والله .. يا رسول الله .. لا تطرحه في النار .. وهي تقدر على أن لا تطرحه ..فقال صلى الله عليه وسلم : والله .. لله .. أرحم بعباده من هذه بولدها ..
نعم أكثر من التوبة مهما تكرر الذنب ففي الحديث المتفق عليه من حديث أبو هريرة أن الله عز وجل قال لذلك الرجل الذي تكرر منه الذنب فكرر التوبةَ فقال الُله له: ( علم عبدي أن له ربُ يغفر الذنبَ ويأخذَ به، غفرتُ لعبدي، غفرتُ لعبدي، غفرتُ لعبدي فليفعل ما شاء).
7)- مجاهدة النفس ومحاسبتها وهل أنت مستعد للموت أم لا.
إن الدنيا بأموالِها ومناصبها وقصورها لا تستحق دمعة من دمعاتك، ولا زفرة من زفراتك. فالرسول (صلى الله علية وآله وسلم) يقول ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما ولاه وعالما ومتعلما).
والله عز وجل يقول {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }
العنكبوت64
واعلم بأن نفسكَ غاليةً، وربما اليومَ أو غدٍ أو بعد غد قالوا: مات فلان والموتٌ حق، ولكن شتانَ بين من مات على صلاحٍ وهدايةٍ ... وبين من مات على فسق وغواية، فإياك والغفلة وطول الأمل والاغترارَ.
فكم من صحيح مات من غير علة
وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
ربما تضحك، وتسعد وتنام مسرورا، وقد لا تصبح،! فبادرا إلى الفضائل وسارع إلى الصفات الحميدة والأفعال الجميلة، وكل ذلك بالإيمان الصادق بالله عز وجل.
فإنك إن عملت كل ذلك ، واستشعرت هذه الأصول ، فعليك بتتمة الوصول ، وذلك بتنفيذ شروط التوبة والتي حصرها العلماء في شروط أربعة هي :
1) الإقلاع عن الذنب .
2) الندم على ما كان من ذنوب.
3) العزم الأكيد على أن لا تعود إلى الذنب مرة أخرى
4) رد المظالم إلى أهلها .
واعلم في الختام أن " من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليتحلله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه " ( ).
فحق الله مبني على المسامحة ، وحق العبيد مبني على المشاححة .
نسأل الله عز وجل أن يتوب علينا جميعا، وأن يغفر لنا جميعا، وأن يجعلنا من الصادقين الصالحين المصلحين.
وكتبه المعترف بضعفه بين يدي الله القوي
حسين بن عبدالبديع الفقي