سلسلة رسائل قلب جريح ... الرسالة السادسة ... رسالة إلى كافل اليتيم

رسالة إلى
كافل اليتيم


إهداء من
حسين بن عبد البديع ا الفقي

تاريخ الإرسال
(1428هـ / 2007 م )

بعد الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، والإقرار والاعتراف بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبد الله ورسوله ..
أبعث بتلك الرسالة
رسالة إلى ........الطامعين في مضاعفة الحسنات
رسالة إلى ........من أرادوا أن تلين قلوبهم لرب البريات
رسالة إلى ....... الطامعين في الدخول في زمرة الأبرار
رسالة إلى .......من حمّلوا أمانة رعاية الأيتام
رسالة إلى ......المؤملين في مجاورة خير الأنام
رسالة إلى ......من يطمعون في ازديـاد الأجــر والثـواب
رسالة إلى ......من يرجـون رحمـة اللـه العزيز الوهاب
رسالة إلى ......من انكسرت قلوبهم بموت آبائهم
إلى كل هؤلاء وغيرهم أبعث تلك الرسالة
إنها رسالة محب في الله ورسوله ...
فاللهم اجعلها خالصة لوجهك الكريم....
رسالة أقول لك فيها أيها الحبيب .......

هذه دعوة صادقة مخلصة ، دعوة للاستجابة لنداء الله العزيز الغفار بالإحسان إلى اليتامى في الليل وفي النهار
نعم كفالة اليتامى ... هؤلاء الذين فقدوا آباءهم من بني الإنسان ، هؤلاء الذين قدر عليهم الحرمان فحرموا يد من يعطف عليهم ... يمسح دمعتهم ... يسد جوعتهم... يروي ظمأهم، فمن لهؤلاء بعد الله إلا المحسنين من خلق الله ...؟!
وإذا كان الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أنه " غفر لامرأة مومسة مرّت بكلب على رأس ركي- بئر- يلهث كاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك . قيل إن لنا في البهائم أجرا ؟ قال في كل ذات كبد رطبة أجر" ( ) .
فإذا كان سقيا الكلاب يفغر للبغايا ، فما بالك بمن أحسن إلى يتيم وحد الله رب البريا؟!
كيف بمن يحمل في كفه شربةً لطفلٍ يتيم؟! كيف بمن يسوق لقمةً إلى فم يتيم يتجرع مرارة اليتم وحرارة آلامه؟!

فهيا بنا أيها الأحباب:
هيا بنا... لنبذل الجهد في إيصال الرحمة إلى الأيتام، فلعلّ الله تعالى أن ينفعنا بدعواتهم ، وأن يرحمنا بالإحسان إليهم.
هيا بنا... ولنسرع الخطى إلى هذا الخير، وليكن لسان حالنا كل منا : { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }( )
ولكن لماذا نطرح قضية اليتامى والاحسان إليهم ؟!
والجواب : لأنها قضية شغلت الصحابة. نعم انشغل الصحابة بقضية اليتامى من قبلنا، ونحن على دربهم سائرين، ولمنهجهم متبعين ، لاسيما وقد أيّد انشغالهم هذا الله ... رب العالمين ، وسطّر انفعالهم لتلك القضية في مجمل آيات الكتاب المبين فقال وهو أصدق القائلين:
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ..... }( )
ويسألونك -أيها النبي- عن اليتامى كيف يتصرفون معهم في معاشهم وأموالهم؟ قل لهم: إصلاحكم لهم خير, فافعلوا الأنفع لهم دائمًا, وإن تخالطوهم في سائر شؤون المعاش فهم إخوانكم في الدين. وعلى الأخ أن يرعى مصلحة أخيه.
فهيا بنا نحذوا حذوهم ، ونتلمس طريقهم.....
ولنبدأ أولى خطواتنا بانطلاقة جادة في البحث عن يتيم
لماذا نحسن إلي اليتيم؟!
1- لأنها وصية الله تعالى للعالمين:
نعم... تنفيذا لوصية الله رب العالمين، والذي أوصى السابقين واللاحقين من الموحدين بالإحسان إلى اليتيم.
فها هم بنوا إسرائيل يتلقون الوصية من الله رب العالمين في الإحسان إلى اليتيم ، ويعتبره بمثابة الميثاق عليهم، فيقول الله تعالى: { {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ }البقرة83
فإذا كانت هذه هي وصية المولى تبارك وتعالى لبني إسرائيل بالإحسان إلى اليتامى ليفوزوا بالخيرات ، وينالوا أعلى الدرجات، فأولى أن يؤدي حقها أمة خير البريات محمد صلى الله عليه وسلم، لاسيما وأنهم قد أمروا بذلك، بل ويرقى بالإحسان إلى اليتيم إلى درجة مرموقة في الدين ، كيف لا ؟! وقد جعله المولى تبارك وتعالى قرين العبودية لله رب العالمين، ثم ضمه إلى أوجه البر والإحسان إلى الوالدين، فقال وهو أصدق القائلين : {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }( )
واعبدوا الله وانقادوا له وحده, ولا تجعلوا له شريكًا في الربوبية والعبادة, وأحسنوا إلى الوالدين, وأدُّوا حقوقهما, وحقوق الأقربين, واعلموا أن من آكد الحقوق التي يجب آداؤها ، حق الإحسان إلى اليتامى، وكذا المحتاجين, والجار القريب منكم والبعيد, والرفيق في السفر وفي الحضر, والمسافر المحتاج, والمماليك من فتيانكم وفتياتكم. إن الله تعالى لا يحب المتكبرين من عباده, المفتخرين على الناس.
2- استجابة لوصية خاتم النبيين محمد 
لقد كان اليتيم يجد في البيئة الجاهلية الجاحدة المتكالبة الخسف والغبن ولو كان ذا قربى ، لذا جاءت وصايا إمام النبيين ، وخاتم المرسلين بالتيم متفقة تماما مع ماجاء في الكتاب المبين ، والقائل بأبي هو وأمي : " اللهم إني أحرّج حق الضعيفين اليتيم والمرأة " ( )
أحرّج : أي أحذر من أن يضيع حقهما تحذيرا بالغا ، وأزجر عن ذلك زجرا أكيدا .
ومعلوم أن من أظهر علامات الإيمان هي الاستجابة بفعل المأمورات وترك المنهيات ، فمن حافظ على الإحسان إلى الأيتام واليتيمات ، كأنما أظهر إحدى علامات استجابته وأدلة إيمانه برسول رب البريات محمد 
3- الفوز بعمل من أعمال البر التي يتقرب بها إلى الله رب العالمين...
فقال : { لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }( )
ليس الخير عند الله- تعالى- في التوجه في الصلاة إلى جهة المشرق والمغرب إن لم يكن عن أمر الله وشرعه, وإنما الخير كل الخير هو إيمان من آمن بالله وصدَّق به معبودًا وحدَه لا شريك له, وآمن بيوم البعث والجزاء, وبالملائكة جميعًا, وبالكتب المنزلة كافة, وبجميع النبيين من غير تفريق, وأعطى المال تطوُّعًا -مع شدة حبه- ذوي القربى, واليتامى المحتاجين الذين مات آباؤهم وهم دون سن البلوغ, والمساكين الذين أرهقهم الفقر, والمسافرين المحتاجين الذين بَعُدوا عن أهلهم ومالهم, والسائلين الذين اضطروا إلى السؤال لشدة حاجتهم, وأنفق في تحرير الرقيق والأسرى, وأقام الصلاة, وأدى الزكاة المفروضة, والذين يوفون بالعهود, ومن صبر في حال فقره ومرضه, وفي شدة القتال. أولئك المتصفون بهذه الصفات هم الذين صدقوا في إيمانهم, وأولئك هم الذين اتقَوا عقاب الله فتجنبوا معاصيه.
ولاحظ معي هنا أن الله تبارك وتعالى أطلق الإحسان إلى المحسن إليهم والذين من بينهم اليتامى ولم يقيده بنوع معين من أنواع الإحسان .
4- التشبه بما دأب عليه السابقين من النبيين ....
فها هما نبيين كريمين يقيما جدارا ليتيمين بدون أجرة، قربة إلى الله، يقول تعالى في معرض الحديث عن قصة موسى عليه السلام مع الخضر:{ فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً. قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }
وبعد أن فارقه ، أخذ في تبيين الحكمة التي من أجلها فعل تلك الأشياء ، وما هو إلا تنفيذا لمراد رب الأرض والسماء فقال: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً } سورة الكهف
وها هو زكريا عليه السلام يقترع مع بني إسرائيل في أيّهم يكفل تلك الطفلة اليتيمة " مريم ابنة عمران " والتي يرجى بكفالتها التقرب إلى الله الرحيم الرحمن ، فيخبرنا ربنا تبارك وتعالى بهذا الموقف المهيب في مجمل آي القرآن بقوله: { ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }( )
ذلك الذي قصصناه عليك -أيها الرسول- من أمر زكريا ومريم عليهما السلام، من أخبار الغيب التي أوحاها الله إليك, إذ لم تكن معهم حين اختلفوا في كفالة مريم أيُّهم أحق بها وأولى, ووقع بينهم الخصام, فأجْرَوْا القرعة فألقوا أقلامهم في الماء ليظهر لهم أيهم يكفلها, ففاز زكريا عليه السلام بكفالتها. سبحان الله ... أمة تقترع على كفالة طفلة يتيمة.
حوار مع اليتيم
فنقول لكل يتيم من المسلمين ....
اعلم يرحمك الله ، أن الله تعالى لم يصبك باليتم لهوانك عليه ، ولم يبتليك باليتم لحقارة شأنك لديه ، بل قد يبتليك ليجتبيك ،! وقد يكون مراده فيك أن يقربك إليه ويدنيك،!

أي بني :
لا تحزن فقد مُثِّلتَ، بخاتم النبيين 
على قدر تلك الحسرة التي قد تسكن قلبك ، وتؤرق من نومك ، وتقض من مضجعك ، على قدر ذلك الحزن الذي قد ينتابك لفقدك والدك ...
أقول لك أبشر ... بل وحوّل كل هذا العناء إلى شكرٍ وحمدٍ لله رب الأرض والسماء،! أتدري لماذا ؟
ذلك لأن الله تعالى قدَّر لك أن تُمثّل في بدء حياتك بحياة سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم !
نعم ... إنه شرف المماثلة بسيد الأنام، وبدر التمام، ومصباح الظلام، ورسول الله الملك العلام، محمد عليه أفضل الصلوات وأتم السلام .
نعم نلت الشرف بالمماثلة له في يتمه، والذي كان يتمه بأبي هو وأمي  شرفاً لكل يتيم على وجه الأرض وحتى قيام الساعة . خاطبه ربه فقال له : { ألم يجدك يتيما فآوى }
ألم تكن يتيما يا نبي الله في صغرك فآواك الله ؟! ألم تكن يتيما يا رسول الله فحفظك الله ؟! ألم تكن يتيما يا رسول الله فرعاك الله ونشأت تحت عناية ورعاة من الله ؟!
نعم كان يتيما ، مات أبوه وهو حمل في بطن أمه ، ثم توفيت أمه وله من العمر ست سنين ، ثم كفالة جده " عبد المطلب" إلى أن توفي وله  من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب ، ثم لم يزل يحوضه ويزود عنه حتى ابتعثه الله على رأس الأربعين من عمره، فكان مما أوصاه به الله جل في علاه قوله سبحانه: { فأما اليتيم فلا تقهر}
تذكر يا محمد أنك كنت يتيما يوما فآواك الله ، فلا تقهر يوما اليتيم ، ولا تذله ، ولا تنهره ، ولا تهنه ، بل تلطف إليه وأحسن وفادته طاعة وتقربا إلى الله .
أي بنية:
لا تحزني فقد مُثلّتي بمريم ابنة عمران، عليها السلام ..
فينبغي أن يمتلئ قلبكِ باليقين والثقة في الله ، واعلمي أن الذي تكفّل بأرزاق العباد هو الله، وتذكري أن لك في السالفات من أخواتك اليتيمات، عبرة وعظة سطرها ربنا في مجمل الآيات، فها هي مريم ابنة عمران عليها السلام، والتي توفي والدها وتركها صغيره فكفلها غيره ورباها، فلما استلمت لحكم رب الأرباب ، منحت العطايا من الله… الملك الوهاب ، فيخبر عنها ربنا جل وعلا في مجمل آيات الكتاب فيقول سبحانه :
{ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ( )
ومن داخل بيت اليتيم ...
نقول لمن يكفلون اليتامى: لا تحزنوا وأبشروا ...
1- واعلموا أن الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ...
قال : " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار" ( )
الأرملة هي تلك المرأة التي توفي عنها زوجها وترك لها أولادا يتامى قد تجرعوا غصص اليتم منذ نعومة أظافرهم، هؤلاء اليتامى أحوج ما يكون إلى يد حانية تمتد لتمسح جراحاتهم من على صفحات قلوبهم المنكسرة ، والذي به تطييبا لخاطر تلكم الأم التي انكسر فؤادها بموت زوجها ، فمن سعى عليها وعلى أولادها كان كالمجاهد في سبيل الله ، أو كالذي يقوم الليل ويصوم النهار في طاعة ومناجاة لله الواحد القهار.
فأين أصحاب العقول ، وأين المشمرون للفوز بهذا الأجر العظيم، وذاك الخير العميم الذي أعده الله لهم العزيز الغفار؟!
2- وأن خير بيت في الإسلام بيت فيه يتيم يكرم إليه
فها هو اللوم والعتاب من الله رب الأرباب ، يتوجه لقوم على عدم اهتمامهم بأحوال الخلق المحتاجين، فيقول رب العالمين:{ كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } الذي فقد أباه وكاسبه واحتاج إلى جبر خاطره والإحسان إليه، فأنتم لا تكرمونه بل تهينونه، وهذا يدل على عدم الرحمة في قلوبكم وعدم الرغبة في الخير؛ وما اكتفيتم بل{ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} أي لا يحض بعضكم بعضا على إطعام المحاويج من الفقراء والمساكين وذلك لأجل الشح على الدنيا ومحبتها الشديدة المتمكنة من القلوب.
فهي دعوة إلى الإحسان إلى اليتيم والمسارعة إلى إكرامه ، لذا فقد قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه : " خير البيوت بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر البيوت بيت فيه يتيم يساء إليه، وأحب عباد الله إلى الله تعالى من اصطنع صنعا إلى يتيم أو أرملة " .
3- وأنه لا يؤذي اليتيم إلا من كذّب باليوم الآخر
قال سبحانه مخاطبا نبيه وحبيبه  بهذا الخطاب المفزع: { أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ }. أي هل عرفت هذا الذي يكذب بيوم الجزاء والحساب ، والوقوف بين يدي رب الأرباب ؟! هل عرفت من هو؟! وما هي أوصافه ؟!
إذا أردت أن تعرف هذا الشقي الدعي وهو يمشي على الأرض فهذه بعض أوصافه التي لا تخفى أسوقها لك...
{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } فذلك الذي يدفع اليتيم دفعا عنيفا بجفوة وغلظة ، فذلك الذي يظلمه ويقهره ولا يعطيه حقه .
{وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}أي لا يحث غيره على إطعام المحتاجين من الخلائق.
وللجميع أقول ...
اعلموا أن هناك من الأرامل واليتامى من استقبلوا فقد عائلهم بصبر جميل، ويقين في الله أثبت من الجبال الرواسي، فلم تذهب المصائب بصوابهم ، بل كانت أمواج إيمانهم أعلى وأعتى من أمواج المصائب رغم فداحتها، ولم لا ؟1 والرزاق حي لا يموت.
ويذكر أن رجلا رأى طفلا في المسجد يصلى بخشوع وإتقان، فقال له بعد الصلاة:
ابن من أنت ؟!
فقال الطفل : إني يتيم فقدت أبي وأمي .
فقال الرجل: أترضى أن تكون لي ولدا؟!
فقال: هل تطعمني إذا جعت؟ قال : نعم .
فقال: وهل تكسوني إذا عريت؟ قال : نعم .
قال: هل تحييني إذا أنا مت؟!
فدهش الرجل وقال: هذا ليس إليه سبيل، وأشاح الصبي بوجهه وقال: إذا اتركني للذي خلقني ثم رزقني ثم يميتني ثم يحييني ، فهو أرفق بي ،!
فقال الرجل : من توكل على الله كفاه. ( )
فيا من طويت فسيح الأرض ملتمسا مالا وأنت بالأموال موعود
قد تُحرم الأُسدُ قسراً عن فريستها وفي صخور الفيافي يُرزَق الدودُ
لا شيء أعجب في الأنام من رجل يرجو الخلائق والخلاّقُ موجود
هيا فقدِّم الإحسان...
ولا تحرم نفسك من عطاءات الله الحنان المنان، والتي منها :
في الدنيا :
1- إزالة القسوة من قلبك.....
فإذا أرت أن يلين قلبك لذكر الله، وأن يتفجر بأنهار الدمع من خشية الله ، فأحسن إلى اليتيم، فقد قال خاتم النبيين لرجل أتاه يشكو قساوة قلبه:" امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين "( )
2- مضاعفة الحسنات ......
يقول خير البريات محمد : " من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة تمر عليها يده حسنات ومن أحسن إلى يتيم أو يتيمة عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وقرن بي أصبعيه السبابة والوسطى" ( )
في الآخرة :
1- الدخول في أصحاب الميمنة .....
يخبرنا ربنا تبارك وتعالى أن من اقتحم عقبة الشح والبخل في الدنيا اقتحم عقبة الأهوال يوم القيامة، فيقول:
{ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}أي : فهلا تجاوز هذا الإنسان مشقة الآخرة بإنفاق ماله, فيأمن مغبة تلك العقبة الكئود..
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ } وأيُّ شيء أعلمك ما مشقة الآخرة, وما يعين على تجاوزها؟
ولكن اعلم أن من الأسباب التي يقتحم بها الإنسان تلك العقبة: { فَكُّ رَقَبَةٍ}أي عتق رقبة { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} أي الإطعام في يوم ذي مجاعة شديدة . طعام تقدمه لمن؟!
{ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ} أي من ذوي القرابة ليجتمع فيه فضل الصدقة وصلة الرحم.
{ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ }أي فقيرا معدما لا شيء عنده.
إن من فعل خصال الخير هذه{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} فأخلصوا الإيمان لله { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} فيما بينهم على طاعة الله وعن معصيته جل في علاه،{ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} بخلق الله { أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ}أي أصحاب المنزلة العالية وما أعلاها من منزلة.
1- النجاة من أهوال القيامة بموعود الله .....
يخبرنا ربنا تيارك وتعالى بـ :{إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} ذلك لأنهم واظبوا على خصال الخير، فهم يعبدون الله { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} لم يطعموهم لأجل غرض دنيوي، وإنما كانت غايتهم ما جاء موضحا في قولهم:{ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً. إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراًْ} فوفُوا جزاء إخلاصهم بأن جوزوا بتحقيق مرادهم { فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} نعم نجوا من الأهوال، ليس هذا فقط ، بل { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً. وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً. مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلَا زَمْهَرِيراً. وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً}

2- مرافقة الحبيب محمد في الجنة:
عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنا وكافل اليتيم له ولغيره في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا" .( )
انتبه ..... من ضياع مال اليتيم
فقد أوصى المولى تبارك وتعالى بمال اليتيم فقال:
{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً }( )
ولا تتصرَّفوا في أموال الأطفال الذين مات آباؤهم، وصاروا في كفالتكم، إلا بالطريقة التي هي أحسن لهم، وهي التثمير والتنمية، حتى يبلغ الطفل اليتيم سنَّ البلوغ، وحسن التصرف في المال .
حذّر رسول الله  من أكل مال اليتيم وجعله من الموبقات فقال: " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات" ( ).
آكل مال اليتيم ظلما يأكل حجارة النار يوم القيامة
فكما تحب أن تعامل ذريتك من بعدك فعامل الناس في ذرياتهمإذا وليتهم، فالله تعالى يقول: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً }( )
هذه وثيقة الأمان لذريتك من بعدك ، وتدبر معي هذا الملحظ الجليل ،! إذ يعقب المولى تبارك وتعالى هذه الوصية بهذا البيان المفزع وتلكم الصورة الرهيبة فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }النساء10
إن الذين يعْتَدون على أموال اليتامى, فيأخذونها بغير حق, إنما يأكلون نارًا تتأجّج في بطونهم يوم القيامة, وسيدخلون نارا يقاسون حرَّها.
يقول السدي : يحشر آكل مال اليتيم ظلما يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه ومن مسامعه ومن أنفه ومن عينيه، كل من رآه يعرفه أنه آكل مال اليتيم" ( )
وعيد كادت أن تتصدع منه الجبال الرواسي ، وتتفطر منه الأفئدة الحيّة المؤمنة، ولأكل مال اليتيم صور شتى منها:
1- الاستيلاء على كل أو بعض مال اليتيم، وحرمانه منها، وهذا من الكبائر السبع التي ذكرها النبي المصطفى.
2- الخلط بين أموال اليتيم ومال المتعدي عليه،دون الفصل بينهما، أو إحداث مبادلة بين هذه الأموال ، فيعطي اليتيم الرديء من المال ويأخذ لنفسه الجيد منها، يعطيه الشقة التي لا يدخلها النور ولا الهواء، يعطيه أرض لا تزرع ، يعطيه الحيوانات الرديئة ، وكما قال سعيد ابن المسيب : " لا تعطي مهزولا وتأخذ سمينا".وهو عين المراد من قوله تعالى: {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً }النساء2
أي: ولا تأخذوا الجيِّد من أموالهم, وتجعلوا مكانه الرديء من أموالكم, ولا تخلطوا أموالهم بأموالكم; لتحتالوا بذلك على أكل أموالهم. إن من تجرأ على ذلك فقد ارتكب إثمًا عظيمًا.
3- تجاوز الحدود المسموح بها للأكل من مال اليتيم ، والتي أشار إليها قوله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } النساء6
أي : ولا تعتدوا عليها بإنفاقها في غير موضعها إسرافًا ومبادرة لأكلها قبل أن يأخذوها منكم. ومَن كان صاحب مال منكم فليستعفف بغناه, ولا يأخذ من مال اليتيم شيئًا, ومن كان فقيرًا فليأخذ بقدر حاجته عند الضرورة.
وأيضا هو عين المراد من قول النبي  فيما يرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم قال فقال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل " ( )
واعلم أن للأكل من مال اليتيم بالمعروف أربعة أقوال هي:
أحدها: الأخذ على وجه القرض .
الثاني : الأكل بقدر الحاجة بغير إسراف .
الثالث : أخذ بقدر الأجير إذا عمل لليتيم عملا.
الرابع: الأخذ عند الضرورة فإن أيسر قضاه، وإن لم يوسر فهو في حل .( )
فيا من تأكلون أموال اليتامى ظلما توبوا إلى الله تعالى من قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يامن تقوم بالوصاية على مال اليتيم ، اعلم أنك مؤتمن على تلك الأموال، وسيسألك عنهاغدا ذي العزة والجلال.
واعلم بأن الدنيا لن تدوم ، وغدا الجميع مردّه إلى الله الحي القيوم ، سبحانه القائل :
{ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ }( )
فهيا لنعلنها من اليوم، نعلنها استجابة لمراد الله ومراد رسول الله بأن نكرم اليتامى، نعلنها توبة نصوحا فنرفع أيدينا عن مال اليتامى، نعلنها مدوية لكل يتيم بأن الله وإن كان قد حرمك من الأب الرحيم ، هيا فاستبشر فكل موحد على وجه الأرض هو أبا شفوقا لك ...... فلا تحزن .
هيا نصحح ما دار على ألسنة البعض من أمثال تسيء إلى اليتيم مثل المشهور : " تعلموا الزيانة في رؤوس اليتامى " وكأنه قال في نفسه : افعل في اليتيم ما تشاء فليس له ظهر يحميه ، ولا قوي يأخذ له حقه ...
وأقول له : إنه وإن كان قد فقد الناصر له من بني البشر فإنه لم يفقد خير الناصرين وهو الله ... رب البشر .
واعلم أيها الحبيب أن الإحسان إلى الأيتام أفضل من حجة النافلة ، فها هو الإمام المبارك عبد الله ابن المبارك رحمه الله، يخرج كعادته إلى الحج ، فقد كان من عادته أن يغزو عاما ويحج عاما- رحمه الله ....
فيمر بامرأة تلتقط الميتة من المزبلة ،! فيدنوا منها الإمام ويسألها عن سبب صنيعها متعجبا ،!
فتقول له : إني امرأة تأيَّمتُ على أيتام وفقدنا العائل فأحلت لنا الميتة لذا فأنا هنا ،!
فيتفطر قلب عبد الله بن المبارك لهذا المشهد المهيب، ويعطيها جميع ماله ويعود ويقول في نفسه :
هذا أفضل من حجتنا هذا العام – أي من حجة التطوع- ولا شك أنه أفضل من عمرة التطوع والتي اعتاد عليها الكثيرين من أبناء الأمة رغم علمهم بوجود من هم أحوج إلى المال وربما كانوا من ذوي أرحامهم ولا حول ولا قوة إلا بالله
ويعود ابن المبارك إلى بيته فرحا مسرورا محتسبا الأجر على الله ، فتلحقه البشارة ،! فيأتيه سيد المبشرين محمد  في المنام ويقول له : حج مبرور وذنب مغفور يا ابن المبارك . فيقوم من نومه فرحا مسرورا…….

وكتبه
العبد الفقير إلى الرب العلي
حسين بن عبدالبديع الفقي

بارك الله فيك اخى وحبيبى الحاج /حسين
واسال الله العظيم الا يحرمك الاجر

شيخنا الفاضل حسين
السلام عليكم ورحمة اله وبركاته
بارك اله فيك ياشيخنا
وربنا يجعله في ميزان حسناتك
ويجب علينا جميعا ان نساند جمعية كفالة اليتيم بالقريه
وندعوا الله عزوجل ان يسدد خطا القائمين عليها
ودمتم سالمين

بارك الله فى اخينا وشيخنا حسين الفقى
ونفع بعلمك الجميع
وجعله الله فى ميزان حسناتك
سلامنا لجميع الاخوان وخصوصا الاستاذ ياسر
تقبل مرورى