حسين الفقي ديباوى مميز
عدد الرسائل : 30 العمر : 55 المزاج : الحمد لله تاريخ التسجيل : 10/09/2010
| موضوع: سلسلة رسائل قلب جريح : الرسالة الثالثة : " رسالة إلى أصحاب الهموم " السبت أكتوبر 23, 2010 11:19 am | |
| رسالة إلى أصحاب الهموم والأحزان من أمة سيد ولد عدنان
إهداء من حسين بن عبد البديع ا الفقي تاريخ الإرسال (1428هـ / 2007 م )
بعد الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، والإقرار والاعتراف بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبد الله ورسوله .. فإني أبعث بتلك الرسالة رسالة إلى ....... من أعجزتهم الغمــوم والخطــوب رسالة إلى ........ من أثقـلـت كــواهـلهـم الكـــروب رسالة إلى ........ من أرقـتـهـــم الحســــــــــــرات رسالة إلى ......... من أجهدتهم الأحـزان والآهات رسالة إلى ........ من كـثــرت في أعينهم الدمعات رسالة إلى ......من ظنوا أن بليتهم هي أعظم البليات إلى كل هؤلاء وغيرهم أبعث بتلك الرسالة إنها رسالة محب في الله ورسوله ... فاللهم اجعلها خالصة لوجهك الكريم.... رسالة أقول لك فيها أيها الحبيب ....... إن رسالتي هذه لك ليست دعوة إلى الاستسلام للهموم والغموم ، ولا هي دعوة لتبني الحزن والأسى، و ولا هي دعوة للتزين بلباس الكروب ، ولا هي دعوة للزج بالنفس في غمرات الخطوب... لا والله ، فما هي إلا دعوة تدفعك إلى شدة اليقين بل وتوثيق الصلة بالله علام الغيوب... واعلم... أن من طبيعة الحياة الدنيا ... الهموم والغموم ، فهي دار اللأواء والشدة والضنك، ولهذا كان مما تميزت الجنة به عن الدنيا أنه ...{لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ }( ) لا يصيبهم فيها تعب ولا إعياء, وهم باقون فيها أبدًا. ليس فيها هم ولا غم ، وأهلها لا تتكدر خواطرهم ولا بكلمة، فهم {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً }( ) لا يسمعون في الجنة باطلا ولا ما يتأثمون بسماعه, إلا قولا سالمًا من هذه العيوب, وتسليم بعضهم على بعض. واعلم أن من طبيعة الحياة الدنيا المعاناة والمقاساة التي يواجهها الإنسان في ظروفه المختلفة وأحواله المتنوعة، كما دل عليه قول الحق تعالى : {لَقــَدْ خـَـلَقْنـَا الْإِنسَــانَ فِي كَبـــَدٍ }( ) لقد خلقنا الإنسان في شدة وعناء من مكابدة الدنيا، فهو حزين على ما مضى، مهموم بما يستقبل، مغموم في الحال. والقلوب تتفاوت في الهم والغمّ كثرة واستمراراً بحسب ما فيها من الإيمان أو الفسوق والعصيان فهي على قلبين : قلب هو عرش الرحمن ، ففيه البهجة والضياء والنور، والحياة والفرحة والسرور ذلك لأنه دائما وأبدا على رضا بما قضى به الله العزيز الغفور. وقلب هو عرش الشيطان، فهناك الحزن والغم والهم، والضيق والظلمة والخذلان، ، ذلك لأنه لم يرضى قط بما قضى به الله الملك الديان. ولا شك أن العقيدة تؤثر تأثيرا بالغا في معالجة الهموم، فترى كثيراً من الكفار وكذلك ضعفاء الإيمان يُصابون بالانهيار أو يُقدمون على الانتحار للتخلص من الكآبة واليأس، وذلك بسبب عدم أو ضعف إيمانهم بحكمة الله العزيز الغفار. وكم ملئت المستشفيات من مرضى الانهيارات العصبية، والصدمات النفسية، كانت عقول أصحابها جهابذة ذكية ، وكم نامت على أسرتها أبدان كانت قوية ، وكم دمعت بين جنباتها أعين سهرت على رفعة صاحبها بين البرية، ولكن لما كان القلب بعيدا عن رب البرية ... أرداها المولى تبارك وتعالى فصارت نسيا منسيا من بين البشرية. أما من اهتدى بهدي الإسلام، واستنار بنور خير الأنام محمد ، فإنهم يجدون العلاج فيما منحهم .. الله ... الملك العلام ، والمتمثل في قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ( ) إيمان صادق ، وعمل صالح ، يساوي حياة طيبة . وكيف لا يجدون تلك الحياة الطيبة ؟! وقد منحوا الأصول والأسس التي يتعاملون بها مع كلّ ما يرد عليهم من أنواع المسرات والأحزان. فتجدهم: قد أحسنوا الظن بالله ، وبأنه جاعل لهم فرجاً ومخرجاً، وكلما استحكم الضيق وازدادت الكربة، قرب الفرج والمخرج ، فهم على ثقة بقول الله: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً }( ) ولا يغلب عسر واحد يسرين أبدا ، وأيضا هم على ثقة بقول النبي في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما:" إن النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً" ( ) يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشـر بخيــر فـإن الفـارج الله اليأس يقطع أحيانـا بصاحبـه لا تيـأســن فــإن الكافــي اللــه إذا بليت فثق بالله وأرض به إن الذي يكشف البلوى هو الله الله يحدث بعد العسر ميسرة لا تجزعــن فـإن الصانـع اللـه والله مالك غير الله من أحـد فحسبك اللــه فــي كل لك اللـه وتجدهم: يتلقون النّعم بالقبول لها، والشكر عليها، كما يتلقون المكاره والمضار، بدفعها، وإلا فالصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد ، لعلمهم أنهم يحصّلون فضل الله وثوابه، بموعود رسوله حيث قال: " عَجَباً لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ " ( ) وهل هناك خير أعظم من أن يفوزوا عند الإصابة بالهم أو الغم أو الكرب، بأحد ثلاث ،! نعم كل من أصابه هم أو غم أو كرب فاز بإحدى ثلاث، إن كان مؤمنا ويعمل عملا صالحا: فهو إما أن يكون من جملة من محصّت منهم القلوب، أو أن يكون من جملة من فازوا بتكفير للذنب، أو أن يكون من جملة من رفعوا الدرجات التي تقربهم من الله علام الغيوب . ...... يا اللـه قال رسول الله : " مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ وَلا أَذًى وَلا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ" ( ) فتجدهم: أشد فرحا بالبلاء من فرح غيرهم بالرخاء، وكيف لا ، وهم تأسون بالأنبياء، كما أخبر سيد الأولياء ، وإما الأصفياء ، وقدوة الأتقياء محمد صلى الله عليه وسلم لما سأله سعد رضي الله عنه فقَالَ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً قَالَ الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْباً اشْتَدَّ بَلاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ" ( ) فما أسعدهم وقد علموا أنه ما أصابهم بالبليات إلا ليكفر عنهم السيئات، وهذا من أعظم الخيرات، قال خير البريات صلى الله عليه وسلم : " إن الله إذا أراد بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبد شراً أمسك عنه حتى يوافى يوم القيامة بذنبه " ( ) فلسان حالهم يقول: .. اصبر على حلو الزمــان ومــره واعـلــم بــأن اللــه بـالــغ أمـره ما شاء ربك أن يكون فسوف لا يتخــلـفـن دقيقــة عـن وقـتــه ولكل حي في الورى قدر يلاحقه فــلا إفــلات مــن مـقــدوره ودعني أتساءل: وبعد أن علمت كل ذلك ... أي نوع من الهموم قد أهمك ؟ وأي نوع من الغموم قد أغمك ؟ وأي نوع من الحزن قد أحزنك؟ وأي نوع من الكروب قد أشغلك؟ فالناس يتفاوتون في الهموم بتفاوت بواعثهم وأحوالهم وما يحمله كل واحد منهم من المسئوليات. وفيما يلي ... إليك بعض أنواع الهموم التي تحملها أصحابها، لتنظر أي الهموم همك ؟! نماذج من الهموم العالية فهناك أنواع من الهموم، أقل ما توصف به أنها عالية لعلو همة أصحابها مثل: (1) هم الراعي على رعيته: فهناك من هو مهموم بمشكلات رعيته، استجابة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع عليهم وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " ( ) هموم أمراء : هم عمر ابن الخطاب : كان رضي الله عنه يحمل همّ الرعية حتى همّ الدواب أن تعثر بأرض فيسأل عنها . فكان يقول : " أخشى إن عثرت دابة في العراق أن يسألني الله عنها يوم القيامة فيقول : لم تمهد لها الطريق يا عمر. هم عمر بن عبد العزيز : والذي كان يعبّر عما يعانيه بقوله : إني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله قد فني عليه الكبير وكبر عليه الصغير وفصح عليه الأعجمي وهاجر عليه الأعرابي حتى حسبوه دينا لا يرون الحقّ غيره. هم عبد الرحمن ابن عوف : فكلما كان القرار أكثر تعلقاً بمصير المسلمين كان الهمّ أعظم ولذلك لما أوكل إلى عبد الرحمن بن عوف اختيار خليفة المسلمين بعد عمر لم يكتحل بنوم ليشاور المسلمين حتى العجائز. "…. قَالَ الْمِسْوَرُ طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنْ اللَّيْلِ فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ أَرَاكَ نَائِمًا فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا فَدَعَوْتُهُمَا لَهُ فَشَاوَرَهُمَا ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ ادْعُ لِي عَلِيًّا فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي عُثْمَانَ فَدَعَوْتُهُ فَنَاجَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمُؤَذِّنُ بِالصُّبْحِ …." الحديث ( ) تأمل طول سهر عبد الرحمن ، وذهاب النوم من عينيه وحتى الصباح ، وما ذلك إلا لهمٍّ عظيم تحمله على كاهله (2) هم العالم : في حلّ المعضلات التي يحتاج المسلمون فيها إلى جواب ، وخصوصا إذا استعصت المسألة واستغلقت، نعم هناك من يؤرقه هذا الهم فتجده يبيت الليل في طلب العلم لا يكل ولا يمل، وكم في الأمة من علماء أجلاء فضلاء ، سطروا بعلمهم باقات من نور على جبين الزمان. فها هو الشافعي يسهر ليله كاملا في دراسة بعض مسائل العلم حتى أنه يصلى الفجر بوضوء العشاء... وغيره كثير، فمن من كان هذا حاله ،فإنك ترى الحكمة تجري على لسانه ... وما أعظمه من هم يوم يعلم العالم أنه بذلته قد يضيع عالم ، نعم ذلة عالم بضياع عالم ... ولا تعجب من هذا الكلام ... فهناك من علموا أنهم لو ذلوا لأضاعوا فثبتوا على الحق وما ضعفوا وما استكانوا ، أمثال هذا البطل الهمام المقدام المغوار – وقل ما شئت من ألفاظ المدح والثناء – إنه الإمام العالم العابد الزاهد " أحمد ابن حنبل " رحمه الله ، وهذا موقفه المهيب في فتنة خلق القرآن ، وهذا هو الهم الذي حمله وتحمله ..... حتى أنه يعرض على السيف ليقول بتلك المقولة الظالمة فيأبي ويثبت ، ويقف المعتصم على الجلادين بنفسه ، فيضرب الرجل منهم الامام سوطين فيقول له : " شد قطع الله يدك " ويجلد ظهره بالسوط حتى ينزف منه الدم فيثبت ، إنه الهم الذي يحمله. (3) هم طالب علم : كمثل الهم الذي تحمله زيد بن ثابت رضي الله عنه ، لتنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يروي تفاصيله بنفسه فيقول: " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلمت له كتاب يهود وقال إني والله ما آمن يهود على كتابي فتعلمته فلم يمر بي إلا نصف شهر حتى حذقته فكنت أكتب له إذا كتب وأقرأ له إذا كتب إليه " ( ) أين أمثال هؤلاء الذين يحملون همّ أمتهم ، فيتعلمون ما يذودون به الشرور عن دينهم ، ويطالعون العلوم التي ترتقي بها أمتهم ؟! فهل أنت ممن يحمل هذا الهم ؟ انشغلنا بعلوم لا رفعة للأمة بها ، انشغلنا بعلوم لا فائدة من تحصيلها، وتركنا علوما نحن أحوج ما نكون، بل أحوج ما تكون أمتنا إليها، أين نحن من هذا الهمّ ونحن على يقين من أننا أمة " اقرأ" ؟! (3) هم الداعية أثناء دعوته: والذي قد نال منه الأنبياء النصيب الأوفى، فهذه عائشة رضى الله عنها تحدث ابن أختها عروة: " أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " ( ) إنه الحلم قبل العلم ، واللين قبل الشدة ، والتسلح بالحكمة والموعظة الحسنة، فكان من آثار رحمته صلى الله عليه وسلم بهم، أن أخرج المولى جل وعلا عكرمة من ظهر أبي جهل ، وخالد سيف الله المسلول من ظهر الوليد ، وغيرهم.. (4) وهذا هم عابد في أن يميز دينه بشعار غير شعار الكفار: فهذا رسول الله يهمه أمر إعلام الناس بالصلاة : فعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا ؟! فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ . قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ يَعْنِي الشَّبُّورَ . وَقَالَ زِيَادٌ : شَبُّورُ الْيَهُودِ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ. وَقَالَ: هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ . قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى . فَانْصَرَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُرِيَ الأَذَانَ فِي مَنَامِهِ ، قَالَ: فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَبَيْنَ نَائِمٍ وَيَقْظَانَ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَرَانِي الأَذَانَ…" ( ) أنه الهم الذي تحمله هذا الصحابي الجليل فملأ صدره ، واستحوذ على فكره ، واستقى منه قلبه ووجدانه ، ذلك اهتماما منه بهم رسول الله ، وكذا انشغالا بالوصول إلى أمر يميز شريعة دينه عن غيرها من الشرائع الضالة ، فكان توفيق الله تعالى ، والذي لا يحرمه عبد صدق مع الله . (5) هم مسلم بما يصيب إخوانه في أقطار الأرض: هناك من يؤرقه حال الأمة، ويدمي قلبه من شدة الأسى ، استجابة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّىَ". ( ) وما أعذبه من صنيع معاوية ابن أبي سفيان أمير الشام لعمر ابن الخطاب في عام المجاعة، لما استنفره الفروق لمآزرة إخوانه المؤمنين في المدينة ، فهب معاوية باستنفار الناس هو الآخر، وحثهم على الصدقة ، وأرسل بقافلة أولها في المدينة وآخرها عنده في الشام ، وكتب لأمير المؤمنين عمر: " والله لأبعثن إليك بما عندنا من خيرات حتى تكتفي أنت ومن عندك ممن وحدوا رب البريات ، أو لنهلكن جميعا والجزاء غدا في الجنات، يوم أن نلقى سويا خير البريات ." (6) هم ناشئ عن المعاصي : إنه هم عجيب وعزيز، نوع من الهموم يندى الجبين خجلا إذا ما طرقت مسامعه أخبار أصحابها، ليس له مكان إلا في القلوب الرائقة، وليس له متربع إلا في اصدور المنشرحة، وليس له أثر إلا في القلوب الوجلة ، وليس له علامة إلا في الأعين الدامعة، وليس له أمارة إلا في الجوارح الخاضعة، إنه هم وألم المعصية التي ارتكبها العبد في حق الله ، نعم هناك من حملوا الهموم والكروب لأنهم عصوا الله علام الغيوب، قضت المعصية مضجعهم، أبكت أعينهم ، تفطرت قلوبهم ، ما كادوا ينتفعون بلذة من ملذات الدنيا ، لأنه على خوف ووجل مما ينتظره من عقاب الله يوم القيامة . وصدق من قال: رب معصية أورثتك ذلا وانكسارا ، خير من طاعة تورثك عزا واستكبارا . يا الله ... كهذا الهم الذي كان يحمله ابن الخطاب رضي الله عنه لوأده ابنته الصغيرة، فكان كثيرا ما يمسك لحيته ويقول: تحفر لها يا عمر لتأدها وهي لا تعلم ، فترى التراب يغبر لحيتك فتنفضه عنك وأنت تعلم ، أولم يكن ذلك شفيعا لها عند يا عمر كي ترحم ؟! ويحك يا ابن الخطاب أين كان قلبك ؟! ويبكي رضي الله عنه حتى تبتل لحيته. وصدق عبد الله ابن عمر لما قال :" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه قال به هكذا فطار" ( ) نماذج أخرى من الهموم هذه نماذج لهموم لأصحاب همم عالية ، ومرامي سامية، وهناك نماذج أخرى من الهموم غير تلك التي ذكرناها ، شغلت الكثيرين منا ، أرقت عليهم حياتهم، أسهرت طوال الليل أعينهم، قضت عليهم مضاجعهم، شغلت بطول الفكر عقولهم، وأنا لا أقلل من شأنها ، ولا أدعوك للاستسلام لها وعدم السعي في دفعها ، ولا أحقر من شأن اهتمامك بها ، فهذه طبيعة النفس التي فطرت على قبول الفرح والسرور ، والفرار من الهم والحزن والغم . ولكني أقول لك : ليكن تعاملك مع تلك الهموم وأنت تتمثل قول القائل : النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامــة فيهـا تــرك ما فيـها لا دار للمرء بعد المـوت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بنــاهــا بخيــر طـاب مسكنه وإن بنـاها بشر خـاب بانيهـا وإليك بعض صور تلك الهموم ، ولنقف وقفة يسيرة مع أصحابها ، والتي منها: (1) الهمّ الذي يصيب الصادق إذا كُذِّب : فهناك من يتمثل همه في أنه يُكَذّب وهو الصادق، ومثل هذا يدفع بالصدق مع الله ، وحسن التوكل عليه وتفويض الأمر إليه، فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام ، ولا تزعجه الحوادث، فهو يعلم أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فوثق بالله واطمئن لوعده حيث قال:{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } ( ) أي كافيه جميع ما يهمه من أمر دينه ودنياه، فيزول همه وقلقه ، ويتبدل عسره يسرا ، وترحه فرحا، وخوفه أمنا، ودفع عنه كل مكروه وضير. مثل ما وقع للصحابي الجليل زيد بن الأرقم رضي الله عنه ، لما سمع رأس المنافقين يقول لأَصْحَابِهِ :" لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ (يعني بالأعز نفسه، ويقصد بالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه ) ، قَالَ زَيْدٌ : فَأَخْبَرْتُ عَمِّي فَانْطَلَقَ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَفَ وَجَحَدَ قَالَ فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَنِي قَالَ فَجَاءَ عَمِّي إِلَيَّ فَقَالَ مَا أَرَدْتَ إِلا أَنْ مَقَتَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَكَ وَالْمُسْلِمُونَ قَالَ فَوَقَعَ عَلَيَّ مِنَ الْهَمِّ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى أَحَدٍ قَالَ فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَدْ خَفَقْتُ بِرَأْسِي مِنَ الْهَمِّ إِذْ أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي فَمَا كَانَ يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الْخُلْدَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَحِقَنِي فَقَالَ مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَا قَالَ لِي شَيْئًا إِلا أَنَّهُ عَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي فَقَالَ أَبْشِرْ ثُمَّ لَحِقَنِي عُمَرُ فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ قَوْلِي لأَبِي بَكْرٍ فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ "( ) (2) هم البريء بسبب التهمة الباطلة : وقد نالت زوجة رسولنا الكريم عائشة رضى الله عنها من هذا الهم نصيبا وافرا، عندما رماها المنافقون في غزوة المريسيع بما رموها به من الفاحشة ، وظل الأمر كذلك حتى جاء الوحي إلى رسول الله " فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ سُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَتْ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ بَرَّأَكِ فَقَالَتْ أُمِّي قُومِي إِلَيْهِ قَالَتْ فَقُلْتُ لا وَاللَّهِ لا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلا أَحْمَدُ إِلا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسِبُوهُ) الْعَشْرَ الآيـَاتِ كُلَّهَا". ( ) يا الله ... فاعلم يا من هذا همك، أن الله يدافع عن الذين آمنوا . وهذه قصة امرأة اتُّهمت ظلماً وروت قصتها عَائِشَةُ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : أَسْلَمَتِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ لِبَعْضِ الْعَرَبِ وَكَانَ لَهَا حِفْشٌ فِي الْمَسْجِدِ –وهو الخباء- قَالَتْ فَكَانَتْ تَأْتِينَا فَتَحَدَّثُ عِنْدَنَا فَإِذَا فَرَغَتْ مِنْ حَدِيثِهَا قَالَتْ: وَيَوْمُ الْوِشَاحِ مِنْ تَعَاجِيبِ رَبِّنَا أَلا إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي فَلَمَّا أَكْثَرَتْ قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ وَمَا يَوْمُ الْوِشَاحِ قَالَتْ خَرَجَتْ جُوَيْرِيَةٌ لِبَعْضِ أَهْلِي وَعَلَيْهَا وِشَاحٌ مِنْ أَدَمٍ فَسَقَطَ مِنْهَا فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِ الْحُدَيَّا وَهِيَ تَحْسِبُهُ لَحْمًا فَأَخَذَتْهُ فَاتَّهَمُونِي بِهِ، فَعَذَّبُونِي حَتَّى بَلَغَ مِنْ أَمْرِي أَنَّهُمْ طَلَبُوا فِي قُبُلِي، فَبَيْنَاهُمْ حَوْلِي وَأَنَا فِي كَرْبِي إِذْ أَقْبَلَتِ الْحُدَيَّا حَتَّى وَازَتْ بِرُءُوسِنَا ثُمَّ أَلْقَتْهُ فَأَخَذُوهُ فَقُلْتُ لَهُمْ هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ" ( ) (3) الهمّ بسبب الدَّيْن: وصدق القائل يصف الدين بأنه : همّ بالليل ومذلة بالنهار . ومن أمثلة ذلك ما وقع للزبير رضي الله عنه كما روى قصته ولده عَبْدُ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : " لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ فَقَالَ يَا بُنَيِّ إِنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلَّا ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ وَإِنِّي لَا أُرَانِي إِلَّا سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا فَقَالَ يَا بُنَيِّ بِعْ مَالَنَا فَاقْضِ دَيْنِي وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ يَعْنِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يَقُولُ ثُلُثُ الثُّلُثِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ قَالَ هِشَامٌ وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ خُبَيْبٌ وَعَبَّادٌ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ وَتِسْعُ بَنَاتٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ يَا بُنَيِّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلَاكَ قَالَ اللَّهُ قَالَ فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلَّا قُلْتُ يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ فَيَقْضِيهِ فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِلَّا أَرَضِينَ مِنْهَا الْغَابَةُ وَإِحْدَى عَشْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ وَدَارَيْنِ بِالْبَصْرَةِ وَدَارًا بِالْكُوفَةِ وَدَارًا بِمِصْرَ قَالَ وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ لَا وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ وَلَا جِبَايَةَ خَرَاجٍ وَلَا شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ قَالَ فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي كَمْ عَلَى أَخِي مِنْ الدَّيْنِ فَكَتَمَهُ فَقَالَ مِائَةُ أَلْفٍ فَقَالَ حَكِيمٌ وَاللَّهِ مَا أُرَى أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ لِهَذِهِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَفَرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ قَالَ مَا أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي قَالَ وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ فَبَاعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ فَلْيُوَافِنَا بِالْغَابَةِ فَأَتَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مِائَةِ أَلْفٍ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا قَالَ فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَا قَالَ قَالَ فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَكَ مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا قَالَ فَبَاعَ مِنْهَا فَقَضَى دَيْنَهُ فَأَوْفَاهُ وَبَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ فَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ كَمْ قُوِّمَتْ الْغَابَةُ قَالَ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ أَلْفٍ قَالَ كَمْ بَقِيَ قَالَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ قَالَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ وَقَالَ ابْنُ زَمْعَةَ قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَمْ بَقِيَ فَقَالَ سَهْمٌ وَنِصْفٌ قَالَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ قَالَ وَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا قَالَ لَا وَاللَّهِ لَا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالْمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ أَلَا مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ قَالَ فَجَعَلَ كُلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالْمَوْسِمِ فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ قَالَ فَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَرَفَعَ الثُّلُثَ فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ " ( ) تدبر... دين ما كان في معصية الله ، وتوكل صاحبه على الله ، ووكل أمره إلى الله مولاه ، فقضاه عنه الله ... وأحسبك لا تنسى صاحب الدين وخشبته العجيبة. (4) الهم للرؤيا يراها المرء: وقد وقع لابن عمر رضي الله عنهما همّ بسبب رؤيا رآها وقد حدثنا عن ذلك فقَالَ: "إِنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَأَنَا غُلامٌ حَدِيثُ السِّنِّ وَبَيْتِي الْمَسْجِدُ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأَيْتَ مِثْلَ مَا يَرَى هَؤُلاءِ فَلَمَّا اضْطَجَعْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْراً فَأَرِنِي رُؤْيَا فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ جَاءَنِي مَلَكَانِ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ يُقْبِلانِ بِي إِلَى جَهَنَّمَ وَأَنَا بَيْنَهُمَا أَدْعُو اللَّهَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ ثُمَّ أُرَانِي لَقِيَنِي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ لَنْ تُرَاعَ نِعْمَ الرَّجُلُ أَنْتَ لَوْ كُنْتَ تُكْثِرُ الصَّلاةَ فَانْطَلَقُوا بِي حَتَّى وَقَفُوا بِي عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ الْبِئْرِ بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ وَأَرَى فِيهَا رِجَالاً مُعَلَّقِينَ بِالسَّلاسِلِ رُؤوسُهُمْ أَسْفَلَهُمْ عَرَفْتُ فِيهَا رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ فَانْصَرَفُوا بِي عَنْ ذَاتِ الْيَمِينِ فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ نَافِعٌ فَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاةَ" ( ) وفي الشريعة علاجات للهمّ الحاصل بسبب المنامات والأحلام المقلقة. ومنها التفل عن الشمال ثلاثاً والاستعاذة بالله من الشيطان ثلاثاً والاستعاذة بالله من شرّ ما رأى ثلاثاً وأن يغير الجنب الذي كان نائماً عليه أو يقوم يصلي ولا يحدّث برؤياه تلك أحداً من الناس (5) الهم بسبب مصائب الدنيا : فنحن وإن كنا قد ذكرنا فيما مضى طرفا من أنواع الهموم التي قد تصيب العبد فيالدنيا فنحن لا ندعي الاستقصاء لجميع أنواع الهموم ، ولكن نضربها كأمثلة ، وإلا فهناك الكثير والكثير من الهموم التي تؤرق أصحابها كالأمراض المزمنة والخطيرة ، وعقوق الأبناء أو حتى فقد الأبناء، وتسلط الزوجة، واعوجاج الزوج، وغيرها من متاعب الدنيا. وهذا يعالج بالنظر إلى الجوانب الإيجابية للأحداث التي يظهر منها بعض ما يُكره، وصدق ربنا حيث قال: { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ( ) ويعالج أيضا بمجرد أن تعرف حقيقة الدنيا، فإذا علم المؤمن أن الدنيا فانية، ومتاعها قليل، وعمرها قصير ، ونعيمها حقير، وما فيها من لذة ... فهي مكدّرة لا تصفو لأحد... إن أضحكت قليلاً أبكت طويلاً، وإن أعطت يسيراً منعت كثيراً، والمؤمن فيها محبوس كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ" ( ) لا تركنن إلى القصور الفاخرة واذكر عظامك حين تمسي ناخرة وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل يـــا رب إن العيش عيش الآخـــرة وهي كذلك نصب وأذى وشقاء وعناء ولذلك يستريح المؤمن إذا فارقها كما جاء عن أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ "مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ قَالَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ " ( ) إن هذا المعنى الذي يدركه المؤمن لحقيقة الدنيا يهوّن عليه كثيراً من وقع المصاب، وألم الغمّ، ونكد الهمّ، لأنه يعلم أنه أمر لا بدّ منه، فهو من طبيعة هذه الحياة الدنيا. وصدق القائل: دع الأيــــام تفعل مــا تشــــاء وطب نفسا إذا حكم القضاء ولا تجــزع لحــادثـــة الليـالي فمــا لحــوادث الدنيـــا بقاء وكن رجلا على الأهوال جلدا وشيمتك السماحة والوفــاء وأخيرا فهذا علاج مفيد ومدهش لهموم الدنيا وأحزانها، وهو ذكر الموت لقوله : " أكثروا ذكر هادم اللذات : الموت فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيَّقها عليه" ( ) (6) الهم بما قد يحصل للزوجة والذرية بعد الموت : أقول لمن هذا حاله : يا أخي ... إن كنت تخشى على ذريتك الفوات بعد الممات، فهلم لتنفيذ وصية الله رب البريات، والمسطرة في مجمل الآيات البينات، إذ يقول: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } ( ) وهاهم أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يموت عنهم رسول الله وليس في بيته بضعة دراهم ، فييسر الله لهم من يمنحهم دون سؤال ، وكيف لا ؟! وما كان تركهم إلا وديعة يرعاها رب العزة والجلال.عن عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: " إِنَّ أَمْرَكُنَّ مِمَّا يُهِمُّنِي بَعْدِي وَلَنْ يَصْبِرَ عَلَيْكُنَّ إِلا الصَّابِرُونَ قَالَ ثُمَّ تَقُولُ عَائِشَةُ فَسَقَى اللَّهُ أَبَاكَ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ تُرِيدُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَكَانَ قَدْ وَصَلَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ $ بِمَالٍ يُقَالُ بِيعَتْ بِأَرْبَعِينَ أَلْفاً " ( ) هذه باقة من الهموم التي قد تشغل بال العباد ، وتؤرق مضاجع العبّاد ، وإليك الآن وصفا سريعا لبعض أنواع العلاجات المستمدة من كتاب رب الأرض السماوات ، ومن سنة خير البريات محمد صلى الله عليه وسلم .
من أهم وسائل علاج الهموم فيا من أثقلتك الهموم، وتوالت عليك الخطوب والغموم ، استعن بالله ولا تعجز وعليك بالآتي : اللجوء إلى الصلاة : قال الله تعالى: " واستعينوا بالصبر والصلاة " وعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى" ( ) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: وهي من أعظم ما يفرج الله به الهموم : روى الطُّفَيْلُ بْنُ أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ قَالَ أُبَيٌّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي فَقَالَ مَا شِئْتَ قَالَ قُلْتُ الرُّبُعَ قَالَ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ النِّصْفَ قَالَ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قَالَ قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ قَالَ مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا قَالَ إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ" ( ) دعاء الله تعالى : وهذا نافع جداً ومنه ما هو وقاية ومنه ما هو علاج، فأما الوقاية فإن على المسلم أن يلجأ إلى الله تعالى ويدعوه متضرعاً إليه بأن يعيذه من الهموم ويباعد بينه وبينها ، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقد أخبرنا خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه عن حاله معه بقوله: "كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل فكنت أسمعه كثيراً يقول اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ" ( ) وهذا الدعاء مفيد لدفع الهم قبل وقوعه والدفع أسهل من الرفع. فإذا وقع الهم وألمّ بالمرء، فباب الدعاء مفتوح غير مغلق، والكريم عز وجل إن طُرق بابه وسُئل أعطى وأجاب.. يقول جلّ وعلا : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }( ) ومن أعظم الأدعية في إذهاب الهمّ والغم والإتيان بعده بالفرج : الدعاء العظيم المشهور الذي حثّ النبي صلى الله عليه وسلم كلّ من سمعه أن يتعلّمه ويحفظه : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم: َ" مَا أَصَابَ أَحَداً قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجا قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا نَتَعَلَّمُهَا فَقَالَ بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا" ( ) وقد ورد في السنّة النبوية أدعية أخرى بشأن الغم والهم والكرب ومنها : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: " لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" ( ) وعن أنس رضى الله عنه أن رسول الله كان إذا حزبه أمر قال : " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث " ( ) وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: " َ أَلا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ فِي الْكَرْبِ اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" .( ) ومن الأدعية النافعة في هذا الباب أيضا ما علمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :.. : " دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ." . ( ) فإذا لهج العبد بهذه الأدعية بقلب حاضر، ونية صادقة، مع اجتهاده في تحصيل أسباب الإجابة، حقق الله له ما دعاه ورجاه وعمل له ، وانقلب همه فرحاً وسروراً. ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته الإكثار من ذكر الله ، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته ، وزوال همه وغمه ، قال الله تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " . وأعظم الأذكار لعلاج الهمّ العظيم الحاصل عند نزول الموت : لا إله إلا الله وذلك لما حدّث به طلحة عمر رضي الله عنه فال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " كَلِمَةٌ لا يَقُولُهَا عَبْدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَتَهُ وَأَشْرَقَ لَوْنُهُ فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهَا إِلا الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ إِنِّي لأَعْلَمُهَا فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ وَمَا هِيَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ هَلْ تَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ أَعْظَمَ مِنْ كَلِمَةٍ أَمَرَ بِهَا عَمَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَالَ طَلْحَةُ هِيَ وَاللَّهِ هِيَ" ( ) وفي الختام فهذه باقة من أنواع الهموم التي اهمت الناس في دنياهم ، وأرقت عليهم عيشهم ، أتبعتها ببعض وصفات العلاج من الشرع الحنيف ، والتي أسأل المولى جل وعلا أن ينتفع بها من طالعها أو تليت عليه ، كما أسأله تعالى أن يجعلها لي ذخرا يوم أن ألقاه ، إنه ولي ذلك ومولاه ...
وكتبه العبد الفقير إلى الله حسين بن عبدالبديع الفقي [justify] | |
|
abdou badawey ديباوى مميز
عدد الرسائل : 317 العمر : 39 الموقع : debawy.yoo7.com المزاج : مصري أعشق الحياة أري بالإنصات'وإستماع الآخر موهبة وفن محظوظ من يملكها.أكثر ما يجذبني بأي شخص توازن تفكيره ما بين محافظته علي الدين وإحترامه وثقافته ولباقته بالحوار مقابل تقبله للطرف الآخر أحاول بهذه الزوايا أن أسقط بعض من أرائي وقليل من تجاربي لأستمع لأراء الأخرين وشئ من تجاربهم.... تاريخ التسجيل : 27/11/2008
| موضوع: رد: سلسلة رسائل قلب جريح : الرسالة الثالثة : " رسالة إلى أصحاب الهموم " الثلاثاء أكتوبر 26, 2010 9:36 am | |
| والله جات فى وقتها يا شيخ بارك الله فيك وجعله فى ميزان حسناتك | |
|
Dr.Hosnia مشرف المنتدى الطبي
عدد الرسائل : 794 العمر : 60 المزاج : الحمد لله تاريخ التسجيل : 15/01/2009
| موضوع: رد: سلسلة رسائل قلب جريح : الرسالة الثالثة : " رسالة إلى أصحاب الهموم " الأربعاء أكتوبر 27, 2010 10:47 pm | |
| دع الأيــــام تفعل مــا تشــــاء وطب نفسا إذا حكم القضاء ولا تجــزع لحــادثـــة الليـالي فمــا لحــوادث الدنيـــا بقاء وكن رجلا على الأهوال جلدا وشيمتك السماحة والوفــاء حقا لو أن كل منا استسلم لرب العباد ورسوله صلى الله عليه وسلم باتباع ما أمر وترك ما نهي ما أصيب أحد بغم ولا هم ولا حزن فسبحان الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ لا تركنن إلى القصور الفاخرة واذكر عظامك حين تمسي ناخرة وإذا رأيت زخارف الدنيا فقل يـــا رب إن العيش عيش الآخـــرة جزا الله شيخنا الفاضل خير الجزاء وجعل كل مايكتب ثقلا له فى الميزان اللهم أمين | |
|