رسالة إلى
كل عاق لوالديه
إهداء من
حسين بن عبد البديع ا الفقي
تاريخ الإرسال
(1431هـ - 2010م)
رسالة إلى كل ......... من أراد طاعــة اللــه الملك الديـان
رسالة إلى كل ......... من أراد الاستجابة لسيد ولد عدنان
رسالة إلى كل ........... طامــــــــع في جنة الرحيم الرحمن
رسالة إلى كل............ من يأبى أن يرغم أنفه في النيران
رسالة إلى كل.........من عاق والديه، واستمر في العصيان
أبعث إليهم جميعا بتلك الرسالة
لعلهم لآبائهم يبرون، ومن العقوق إلى البر بهما يعودون.
إنها رسالة محب في الله ورسوله ...
فاللهم اجعلها خالصة لوجهك الكريم....
رسالة أقول لك فيها أيها الحبيب .......
لقد ...
جعلت هذه الرسالة بمثابة صرخة عالية مدوية ..
صرخة أصرخ بها فيكم وفي كل من كانت له أذن واعية..
صرخة للآباء والأمهات .... صرخة للبنين والبنات..
صرخة أرجوا أن تحدث في قلوبهم ما أوقعته في قلبي .
فالحديث عن الوالدين حديث ذو شجون ، ولم لا ؟! وهما السبب في وجود المرء في هذه الحياة ، وهما أصل نبتته ، وهما رعاياه في ضعفه حتى قوي ساعده واشتد عوده، واستطاع أن يكابد الحياة وحده ، وهما رغم ذلك في شوق دائم إليه ، ولا يتوانى أحدهم لحظة في تقديم العون والنصح والإرشاد له .
نعم سهرا على رعايته ، وتعبا في تربيته ، واجتهدا في تأديبه، وتفننا فقي ترويضه ، لا ينامان حتى ينام ، لا يأكلان حتى يشبع ، وإن أصابه ضر انهمرت أعينهما بالدمع والبكاء ولهجت ألسنتهما بالتضرع والدعاء ، وغلبهما الطمع والرجاء ، فكان حبهما لولديهما سترا وغطاء .
حتى إذا ما كبرت وضعفا ، وقويت ووهنا ، انتظرا منك رد الجميل ، هنا ينقسم الأبناء إلى واحد من اثنين ، بار بوالديه ، وعاق بوالديه . ومع كل واحد منها لنا صرخة ...
الرجل الأول : البار بوالديه
فأتوجه له قائلا : هل تظن أنك أديت حق والديك عليك ؟!
وأنا أجيب : لا والله ... أنت ما أديت عشر معشار حقهما ، ومهما كان برك ،! مهما كان ؟! نعم.
وتعالى معي لأصحح لك بعض المفاهيم ، ولتعلم أن ما تفعله معهما ليس من باب رد الجميل ، ولا من باب التفضل والإحسان منك عليهما ،! كلا والله ،!
إن ما تفعله معهما، أو ما يجب أن تفعله من برهما من باب الفرض والواجب عليك ،! والذي أوجبه الله جل في علاه ،! والذي رفع من شأن البر بالوالدين.... فجعل ...
بر الوالدين من واجبات الدين :
يقول رب العالمين {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } ( )
وتشير الآيات هنا إلى الإحسان إليهما حال قوتهما
ويقول تعالى : { وَقَضَىَ رَبّكَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمّا يَبْلُغَنّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } ( )
وتشير الآيات هنا إلى الإحسان إليهما حال ضعفهما.
بر الوالدين وصية الله تعالى للسابقين :
فها هو سبحانه يأخذ العهد على بني اسرائيل بذلك فيقول سبحانه :{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } ( ) ونحن أولى منهم بتنفيذ تلك الوصية
بر الوالدين من سيم الأنبياء والصالحين :
فها هو يحي يقول الله تعالى عنه : {وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً } ( ) . وها هو بن مريم يعلنها تصدح في الأجواء : {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً }( )
بر الوالدين وصية الله تعالى للاحقين من الموحدين :
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } ( ).
الجميع قرأ الآيات أو استمع إليها ، فهل طبقتها ؟!
هل فعلت: أو ستفعل ما فعله بن عون رحمه الله يوم أن نادته أمه فأجابها فعلا صوته على صوتها فاعتق رقبتين ، كفارة لسوء صنيعه مع أمه . ( )
هل أنت مستعد لتصنع معهما أو مع أحدهما صنيع هذا الذي رآه ابن عمر فقد " شهد بن عمر رجلا يمانيا يطوف بالبيت حمل أمه وراء ظهره يقول:
إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر
ثم قال: يا بن عمر، أترانى جزيتها؟! قال : لا. ولا بزفرة واحدة "( )
هل فعلت: صنيع من كان ثالث ثلاثة في الغار؟! فقد : " انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ; قال رجل منهم اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا فنأى بي في طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج ..." الحديث .
هل فعلت: ما فعله أحدهم .. تروي أخته فتقول : كان أبي مريضا بمرض الربو في صدره واشتد عليه قبيل موته فما كان يستطيع القيام من كثرة الجهد فغلبه البلغم ، وأراد أن يبصق وكان أخي جالس تحت قدميه يتناول طعام الغذاء فاستشعر ما بوالده فترك الطعام وبسط له كفيه ليبصق فيهما ، فترحم الرجل وترفق بولده وأبى إلا أنه لا يستطيع القيام ، وأصر الولد على ذلك ، ففعلها الوالد متضررا من أجل ولده رحمة به ، فعاتبه في ذلك ، فأراد الولد تطييب خاطر والده ، وأراد أن يعلمه بالبينة والبرهان أن ذلك العمل يرضيه وكيف لا وهو يرضي الله الرحيم الرحمن ، فقام بمسح يده في صدره واستكمل طعامه ، فدعا له والده بخير .. وتمر الأيام ويمرض الولد بعد أن صار هو الآخر والدا ، ويرى جهد بنيه معه فيقول لهم : " معذرة فما لي من اختيار في مرضي إنما هي رحمة الله العزيز الغفار ، فيرد عليه أحدهم قائلا : ما وفيناك حق برك ، قال كيف ؟! قال: أنت ما بصقت في كف أحدنا بعد ،! فيتأثر الرجل ويتذكر ماضيه ، ويدعوا لهم بخير
واعلم.. أن الجزاء من جنس العمل : فهذه قصة واقعية حدثني بها ثقة ، فيقول: ذهب رجل إلى الحقل مع والده ليسقي أرضا له ، دارت الساقية ، نزل الوالد ليرى ذيل الأرض ، أمر الوالد ولده باستبدال غيار الساقية " الدواب التي تسيرها" حتى يرجع، لكن الوالد تأخر،! ذهب الولد لينظر أباه فإذا هو نائم وسط أعواد الذرة. الماء اقترب منه ،! ماذا يفعل الابن؟! يوقظ أباه حتى لا يصارعه الماء ؟! استحى الولد وأتي بالفأس وجعل يجمع التراب حوله في دائرة حتى حال بينه وبين الماء، فلما فرغ من سقاء الأرض أيقظه بلطف وحنو ، فإذا بالوالد فزع قلق ...أين الماء؟! ماذا حدث؟! الابن يهدأ من روعه..لقد انتهيت من الري يا أبي ... والماء ..بلغني ؟! لا يوجد ماء ،! وينظر الوالد إلى مكان نومه فيرى ما فعله به ولده ، فيبتسم ويقول له : لست أول من فعلها ،! لقد فعلتها من قبل مع جدك ، ودعا لي قائلا : " اللهم بارك لك في ذريتك " وها أنا اليوم أدعوا لك بدعوة جدك لي : " اللهم بارك لك في ذريتك " الجزاء من جنس العمل ....
فإن كنت ممن يسعى إلى بر أبويه فأبشر :
أبشر : بالفوز بأحب الأعمال إلى الله :
عن ابن مسعود سألت رسول الله " أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله" ( )
أبشر : بالفوز بعمل يساوي الجهاد في سبيل الله :
فقد " جاء رجل إلى النبي يريد الجهاد فقال أحيّ والداك؟! قال: نعم. فقال: ففيهما فجاهد " ( )
أبشر : بزيادة العمر :
قال رسول الله : " لا يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القدر إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم الرزق بخطيئة يعملها" ( )
أبشر : بسبب يدخلك الجنة
عن عائشة رضي الله عنها قال رسول الله :" دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة قلت من هذا فقالوا حارثة بن النعمان كذلكم البر كذلكم البر" ( ) وكان أبر الناس بأمه .
أبشر : برضا الرب جل وعلا :
عن عبد الله بن عمر قال: " رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد" ( )
هل علمت ببشارة النبي.. لهذا الرجل الذي منعه بره لأمه من صحبة النبي ؟! إنه أويس بن عامر القرني ....
عن أسير بن جابر قال كان عمر بن الخطاب إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس فقال أنت أويس بن عامر قال نعم قال من مراد ثم من قرن قال نعم قال فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم قال نعم قال لك والدة قال نعم قال سمعت رسول الله يقول يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فاستغفر لي فاستغفر له فقال له عمر أين تريد قال الكوفة قال ألا أكتب لك إلى عاملها قال أكون في غبراء الناس أحب إلي قال فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس قال تركته رث البيت قليل المتاع قال سمعت رسول يقول يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فأتى أويسا فقال استغفر لي قال أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي قال استغفر لي قال أنت أحدث عهدا بسفر صالح فاستغفر لي قال لقيت عمر قال نعم فاستغفر له ففطن له الناس فانطلق على وجهه قال أسير وكسوته بردة فكان كلما رآه إنسان قال من أين لأويس هذه البردة ( )
الرجل الثاني : العاق لوالديه
واعلم أنه: " لا يجزئ ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" ( )
ولا تقل في نفسك إذا كان الأمر كذلك، وأنه لا يمكن للمرء من توفيه الدين الذي عليه لهما فما جدوى العمل ؟!
فنقول لك : أنت تبذل في برهما وسعك ، وقدر طاقتك، وأري الله تعالى من نفسك تجاه والديك خيرا يعطك خيرا ، واحذر من عقوقهما فالعقوق شؤمه عظيم....
العقوق من كبائر الذنوب:
قال تعالى:{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }( )
وقد جعله قرين الشرك بالله ، فقال " ألا أحدثكم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين قال وجلس وكان متكئا قال وشهادة الزور أو قال قول الزور قال فما زال رسول الله يقولها حتى قلنا ليته سكت "( )
العقوق من أكبر الكبائر :
نعم الإساءة إلى الوالدين أحدهما أو كلاهما من أكبر الكبائر ، حتى وإن كانت تلك الإساءة غير مباشرة ،! قال : " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه قيل يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه قال يلعن أبا الرجل فيلعن أباه ويلعن أمه فيلعن أمه" ( )
العقوق مخالفة لأمر الله تعالى :
ومن العقوق ما يبديه الولد لأبويه من مللٍ وضجرٍ وغضبٍ وانتفاخ أوداجه ، واستطالته عليهما خاصّةً في حال كبرهما . وقد أمر أن يقابلهما بالحسنى واللّين والمودّة ، والقول الموصوف بالكرامة، السّالم من كلّ عيبٍ، فقال تعالى: { إمّا يَبْلُغَنَّ عندك الكِبَرَ أحدُهما أو كلاهما فلا تَقُلْ لهما أُفٍّ } ( )
فنهي عن أن يقول لهما ما يكون فيه أدنى تبرّمٍ .
العقوق يلحق بصاحبه الذلة والصغار في الدنيا والآخرة:
فقد قال : "رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ" قيل: من يا رسول الله؟ قال: "مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ" ( ).
العقوق يحرم صاحبة من نظر الله له :
عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله : " ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمدمن على الخمر والمنان بما أعطى" ( )
العقوق يحرم صاحبة من رائحة الجنة :
قال:" لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر"( )
العقوق يدخل صاحبه في سخط الله تعالى:
وقد مر بك أن: " رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد" ( )
العقوق تعجل عقوبتة في الدنيا:
نعم ... كلُّ الذّنوبِ يؤخّرُ اللّه منها ما شاءَ إلى يومِ القيامةِ إلاّ عقوقَ الوالدين ، فإِنَّ اللّه يعجِّلُه لصاحبِه في الحياةِ قبل المماتِ ، .وقد صح من حديث أنس قول النبي : " بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا البغي والعقوق " ( ).
العقوق سبب في استجابة الدعوة من الوالدين عليك :
و ما أشدها على صاحبها، واعلم بأن دعوة الوالد على ولده مجابة، قال :" ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم" ( )
حينئذٍ يجتمع على الابن عمل ضعيف زهيد، وعقوق تعجل له فيه قارعة أو عقوبة، ويأتي بعد ذلك الدعاء الذي لا يرد.
احذر ...
فدعاء الوالدين لا يفرق بين صالح وطالح إذا انغمس بمرارة القلب كمدا على الولد ، وحسرة من صنيعه ،! وإليك الدليل من الصحيح فهذا كلام خطير لا يحتمل أن يتكلم فيه أي شخص ، فضلا أن يكون هذا الشخص مثلي .
فعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: " ما تكلم مولود من الناس في مهد الا عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم وصاحب جريج قيل يا نبي الله وما صاحب جريج قال فإن جريجا كان رجلا راهبا في صومعة له وكان راعى بقر يأوي إلى أسفل صومعته وكانت امرأة من أهل القرية تختلف إلى الراعى فأتت أمه يوما فقالت يا جريج وهو يصلى فقال في نفسه وهو يصلى أمى وصلاتى فرأى أن يؤثر صلاته ثم صرخت به الثانية فقال في نفسه أمى وصلاتى فرأى أن يؤثر صلاته ثم صرخت به الثالثة فقال أمى وصلاتى فرأى أن يؤثر صلاته فلما لم يجبها قالت لا أماتك الله يا جريج حتى تنظر في وجه المومسات ثم انصرفت فأتى الملك بتلك المرأة ولدت فقال ممن قالت من جريج قال أصاحب الصومعة قالت نعم قال اهدموا صومعته وأتوني به فضربوا صومعته بالفئوس حتى وقعت فجعلوا يده إلى عنقه بحبل ثم انطلق به فمر به على المومسات فرآهن فتبسم وهن ينظرن إليه في الناس فقال الملك ما تزعم هذه قال ما تزعم قال تزعم أن ولدها منك قال أنت تزعمين قالت نعم قال أين هذا الصغير قالوا هو ذا في حجرها فأقبل عليه فقال من أبوك قال راعي البقر قال الملك أنجعل صومعتك من ذهب قال لا قال من فضة قال لا قال فما نجعلها قال ردوها كما كانت قال فما الذي تبسمت قال أمرا عرفته أدركتنى دعوة أمى ثم أخبرهم"( )
وما أعجبها من حكاية:
تلكم المروية عن مجاهد بن جبير رحمه الله تعالى، وهو يروي عن رجل قال : أمسيت في أرض فلاة (صحراء) فظهر لي بيتان من شعر – يعني من الخيام – فأتيت البيتين حتى أنخت بفنائهما ، فسلمت فخرج إلى امرأتان : شابة وعجوز . فقلت هل من عشاء أو مبيت ؟!
قالتا : لا والله ما عندنا عشاء ، ولا لنا بهذا الوادي مال ، ولا شاة ، ولا بعير ، ولا حمار. قلت: فبأي شيء تتعشيان ؟! قالتا : بالله ثم بالصالحين ، ثم بالطريق .!
فلما هدأ الناس بعض الهدوء ، سمعت نهيق حمار، فوالله ما زلت أسمعه حتى أصبحت وامتنع مني النوم ، فخرجت أمشي حيث سمعت نهيق الحمار، فأجد قبرا فيه رقبة حمار قد غيب التراب ما فوق عينيه ، وظهره مكشوف من التراب ، فراعني ذلك ، فرجعت إليهما فقلت لهما : أخبراني خبر هذا الحمار الذي في القبر ؟!
قالتا : لا يضرك ألا تسألنا عنه . قلت فإني أسألكما .
قالت الشابة : هو والله زوجي ،! وهو والله ابن هذه – أي العجوز- وهو والله الذي سمعت نهيقه منذ الليل ،! وكان أعق من رأيت من خلق الله لها ،! كانت لا تنهاه عن شيء إلا قال : اذهبي فانهقي كما ينهق الحمار . فتقول أمه : جعلك الله حمارا ، فمات فدفناه حيث رأيت ، وهو والله الذي أحلنا هذا الوادي وأسكناه . ( )
واعلم... بأن أسوأ أبواب العقوق، عقوق المنهج والفكر، كأن يكون الأب صالحاً ويدعو ابنه للطاعة والخير فيخالفه ويسير على خلاف الطريق الذي ارتضاه الله ، ودعاه إليه والده. أو حين يكون الأب سباقاً للخير والابن خلاف ذلك.
انتبه لتلك الشبهة الخطيرة :
فقد نجد بعض الشباب يعتذر عند عقوقه لوالديه ( أحدهما أو كلاهما) بأن والده قد قصر في حقه مما أدى به إلى أن يرفع عليه صوته ويغلظ له.
والجواب على هؤلاء نقول:
هل هناك خطأ وسوء أعظم من الشرك بالله عز وجل؟
ومع ذلك جاء في كتاب الله عز وجل الأمر ببر الوالدين والإحسان إليهما ولو وقعا في الشرك بالله عز وجل، أنه المفهوم صراحة من قوله تعالى { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىَ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدّنْيَا مَعْرُوفاً} ( )
ثم عقب بقوله { وَاتّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيّ }
أي فلا تطعهما وأطع من يدعوك لطاعة الله، ومع ذلك فأحسن إليهما.
إن الذين ابتلوا بآباء مقصرين في الطاعة، واقعين في المعصية لا يعفون من الواجب الشرعي بالبر بوالديهم؟
فقد أمر الله بالإحسان للأبوين حين يجاهدان الابن على الشرك ويدعوانه إليه، فكيف إذا كانا مسلمين؟ فعليه أن يبرهما، وأن يحسن لهما ويطيعهما، ويدعوهما بالرفق والأسلوب الحسن المناسب. ومن باب أولى حين يقع من أحد والديه خطأ تجاهه فعليه أن يحتمل ويصبر.
ويجب أن يعلم الشاب أن حق والديه تجاهه يجب ابتداءً، وليس مقابل إحسانهما له، بل أكثر الأخطاء التي يقع فيها الآباء تجاه أبنائهم منطلقها حرصهم عليهم وإرادة الخير لهم.
وليكن حالك كحال ...
أبي هريرة مع أمه والذي يرويه بنفسه عن نفسه قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوما فاسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره.
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليّ. فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة. فقال رسول الله : اللهم اهد أم أبي هريرة.
فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء،!
قال: فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا عبده ورسوله.
قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح.
قال: قلت: يا رسول الله... أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة. فحمد الله وأثنى عليه، وقال: خيرا.
قال: قلت: يا رسول الله ادع الله ان يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا،!
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين ، وحبب إليهم المؤمنين"
فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني " ( )
بعض ما يتعلق بالبر من أحكام( )
البرّ بالوالدين مع اختلاف الدّين :
البرّ بالوالدين فرض عينٍ كما سبق بيانه ، ولا يختصّ بكونهما مسلمين ، بل حتّى لو كانا كافرين يجب برّهما والإحسان إليهما ما لم يأمرا ابنهما بشركٍ أو ارتكاب معصيةٍ
قال تعالى : { لا يَنْهاكُم اللّه عن الّذين لَمْ يُقاتِلوكم في الدِّين ولم يُخْرِجُوكم من دياركم أَنْ تَبَرُّوهم وتُقْسِطُوا إليهم إنَّ اللّه يحبُّ المقْسِطين } .
فعليه أن يقول لهما قولاً ليّناً لطيفاً دالّاً على الرّفق بهما والمحبّة لهما ، ويجتنب غليظ القول الموجب لنفرتهما ، ويناديهما بأحبّ الألفاظ إليهما ، وليقل لهما ما ينفعهما في أمر دينهما ودنياهما ، ولا يتبرّم بهما بالضّجر والملل والتّأفّف ، ولا ينهرهما ، وليقل لهما قولاً كريماً . وفي صحيح البخاريّ « عن أسماء قالت : قدمتْ أمّي وهي مشركة في عهد قريش ومدّتهم إذ عاهدوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم مع أبيها ، فاستفتيتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت : إنّ أمّي قدمتْ وهي راغبةٌ أَفَأَصِلُها ؟ قال : نعم ، صِلي أَمّكِ » ، وفي روايةٍ أخرى عنها قالت : « أتتني أمّي راغبةً في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم أَأَصِلها ؟ قال : نعم » قال ابن عيينة : فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيها { لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم } . وفي هذا المقام قال اللّه تعالى : { وَوَصَّيْنَا الإنسانَ بِوَالديهِ حُسْناً وإنْ جَاهداكَ لِتُشْرِكَ بي ما لَيْسَ لك به عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إليَّ مَرْجِعُكم فَأُنَبِّئكُم بما كُنْتُم تعْمَلون } . قيل : نزلت في سعد بن أبي وقّاصٍ . فقد روي أنّه قال :" كنت بارّاً بأمّي فأسلمت فقالت : لتدعنّ دينك أو لا آكل ولا أشرب شراباً حتّى أموت فتعيّر بي ، ويقال : يا قاتل أمّه .. وبقيت يوماً ويوماً . فقلت : يا أمّاه : لو كانت لك مائة نفسٍ ، فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا ، فإن شئت فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي . فلمّا رأت ذلك أكلت ". هذا وفي الدّعاء بالرّحمة الدّنيويّة للوالدين غير المسلمين حال حياتهما خلاف ذكره القرطبيّ .
أمّا الاستغفار لهما فممنوع ، استناداً إلى قوله تعالى : { ما كانَ لِلنَّبِيِّ والّذين آمَنوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلمشركينَ وَلَوْ كانُوا أُولي قُرْبى } فإنّها نزلت في استغفاره صلى الله عليه وسلم لعمّه أبي طالبٍ واستغفار بعض الصّحابة لأبويه المشركين . وانعقد الإجماع على عدم الاستغفار لهما بعد وفاتهما وحرمته ، وعلى عدم التّصدّق على روحهما . أمّا الاستغفار للأبوين الكافرين حال الحياة فمختلف فيه ، إذ قد يسلمان .
التّعارض بين برّ الأب وبرّ الأمّ :
لمّا كان حقّ الوالدين على الأولاد عظيماً ، فقد نزل به القرآن الكريم في مواضع كثيرةٍ ، ووردت به السّنّة المطهّرة ، ويقضي ذلك بلزوم برّهما وطاعتهما ورعاية شئونهما والامتثال لأمرهما ، فيما ليس بمعصيةٍ ، ونظراً لقيام الأمّ بالعبء الأكبر في تربية الولد اختصّها الشّارع بمزيدٍ من البرّ ، بعد أن أوصى ببرّهما ، فقال تعالى : { وَوَصَّيْنَا الإنسانَ بِوالديه حَمَلَتْه أمُّه وَهْنَاً على وَهْنٍ وفِصَالُه في عَامينِ } . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول اللّه : من أحقّ بحسن صحابتي ؟ قال : أمّك قال : ثمّ من ؟ قال : أمّك قال : ثمّ من ؟ قال : أمّك قال : ثمّ من ؟ قال : أبوك » .
وقوله صلى الله عليه وسلم « إنّ اللّه يُوصيكم بأمّهاتكم ، ثمّ يُوصيكم بأمّهاتِكم ، ثمّ يُوصيكم بأمّهاتكم ، ثمّ يُوصيكم بآبائِكم ، ثمّ يوصيكم بالأقربِ فالأقربِ » .
ومن حديث عائشة رضي الله عنها : « سألتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أيّ النّاسِ أعظمُ حقّاً على المرأة ؟ قال : زوجها . قلتُ : فعلى الرّجل ؟ قال أمُّه » .
ففيما ذكر - وغيره كثير - ممّا سبق بيانه دليل على منزلة الأبوين ، وتقديم الأمّ في البرّ على الأب في ذلك ، لصعوبة الحمل ، ثمّ الوضع وآلامه ، ثمّ الرّضاع ومتاعبه ، وهذه أمور تنفرد بها الأمّ وتشقى بها ، ثمّ تشارك الأب في التّربية ، فضلاً عن أنّ الأمّ أحوج إلى الرّعاية من الأب ، ولا سيّما حال الكبر . ونقل المحاسبيّ الإجماع على أنّ الأمّ مقدّمة في البرّ على الأب .
استئذانهما للسّفر للتّجارة أو لطلب العلم :
وضع فقهاء الحنفيّة لذلك قاعدةً حاصلها : أنّ كلّ سفرٍ لا يؤمن فيه الهلاك ، ويشتدّ فيه الخطر ، فليس للولد أن يخرج إليه بغير إذن والديه ، لأنّهما يشفقان على ولدهما ، فيتضرّران بذلك . وكلّ سفرٍ لا يشتدّ فيه الخطر يحلّ له أن يخرج إليه بغير إذنهما ، إذا لم يضيّعهما ، لانعدام الضّرر . وبذا لا يلزمه إذنهما للسّفر للتّعلّم ، إذا لم يتيسّر له ذلك في بلده ، وكان الطّريق آمناً ، ولم يخف عليهما الضّياع ، لأنّهما لا يتضرّران بذلك ، بل ينتفعان به ، فلا تلحقه سمة العقوق . أمّا إذا كان السّفر للتّجارة ، وكانا مستغنين عن خدمة ابنهما ، ويؤمن عليهما الضّياع ، فإنّه يخرج إليها بغير إذنهما . أمّا إذا كانا محتاجين إليه وإلى خدمته ، فإنّه لا يسافر بغير إذنهما .
وفصّل المالكيّة في السّفر لطلب العلم ، بأنّه إذا كان لتحصيل درجةٍ من العلم لا تتوفّر في بلده ، كالتّفقّه في الكتاب والسّنّة ومعرفة الإجماع ومواضع الخلاف ومراتب القياس ، كان له ذلك بغير إذنهما إن كان فيه أهليّة النّظر ، ولا طاعة لهما في منعه ، لأنّ تحصيل درجة المجتهدين فرض على الكفاية . قال تعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكم أمّةٌ يَدْعُون إلى الخيرِ وَيَأْمُرونَ بِالمعروفِ وَيَنْهَوْن عن المنْكَرِ } ، أمّا إن كان للتّفقّه على طريق التّقليد ، وفي بلده ذلك ، لم يجز له السّفر إلاّ بإذنهما .
وإذا أراد سفراً للتّجارة يرجو به ما يحصل له في الإقامة فلا يخرج إلاّ بإذنهما .
حكم طاعتهما في ترك النّوافل أو قطعها :
قال الشّيخ أبو بكرٍ الطّرطوشيّ في كتاب برّ الوالدين : لا طاعة لهما في ترك سنّةٍ راتبةٍ ، كحضور الجماعات ، وترك ركعتي الفجر والوتر ونحو ذلك ، إذا سألاه ترك ذلك على الدّوام ، بخلاف ما لو دعواه لأوّل وقت الصّلاة وجبت طاعتهما ، وإن فاتته فضيلة أوّل الوقت .
حكم طاعتهما في ترك فروض الكفاية :
سبق حديث صحيح مسلمٍ فيمن أراد البيعة وَأَحَدُ والديه حيّ ، وفيه دلالة على تقديم صحبتهما على صحبة النّبيّ صلى الله عليه وسلم . وتقديم خدمتهما - الّتي هي واجبة عليه وجوباً عينيّاً - على فروض الكفاية ، وذلك لأنّ طاعتهما وبرّهما فرض عينٍ ، والجهاد فرض كفايةٍ ، وفرض العين أقوى .
حكم طاعتهما في طلبهما تطليق زوجته :
روى التّرمذيّ عن ابن عمر قال : « كانت تحتي امرأة أحبّها ، وكان أبي يكرهها ، فأمرني أن أطلّقها ، فأبيتُ ، فذكرت ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا عبدَ اللّه بن عمر طلِّقْ امرأتك » .
وسأل رجل الإمام أحمد فقال :" إنّ أبي يأمرني أن أطلّق امرأتي . قال : لا تطلّقها . قال : أليس عمر رضي الله عنه أمر ابنه عبد اللّه أن يطلّق امرأته ؟ قال : حتّى يكون أبوك مثل عمر رضي الله عنه ". يعني لا تطلّقها بأمره حتّى يصير مثل عمر في تحرّيه الحقّ والعدل ، وعدم اتّباع هواه في مثل هذا الأمر . واختار أبو بكرٍ من الحنابلة أنّه يجب ، لأمر النّبيّ لابن عمر . وقال الشّيخ تقيّ الدّين بن تيميّة :" فيمن تأمره أمّه بطلاق امرأته . قال : لا يحلّ له أن يطلّقها . بل عليه أن يبرّها . وليس تطليق امرأته من برّها ".
حكم طاعتهما فيما لو أمراه بمعصيةٍ أو بترك واجبٍ :
قال تعالى : { وَوَصَّينا الإنسانَ بوالديه حُسْناً وإن جاهَدَاك لِتُشْرِك بِي ما ليس لَكَ به عِلْمٌ فلا تُطِعْهما } وقال : { وإنْ جاهداك على أنْ تُشْرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطْعهما وصاحِبْهما في الدّنيا معروفاً } ففيهما وجوب برّهما وطاعتهما والإحسان إليهما ، وحرمة عقوقهما ومخالفتهما ، إلاّ فيما يأمرانه به من شركٍ أو ارتكاب معصيةٍ ، فإنّه في هذه الحالة لا يطيعهما ولا يمتثل لأوامرهما ، لوجوب مخالفتهما وحرمة طاعتهما في ذلك ، يؤكّد هذا قوله صلى الله عليه وسلم : « لا طاعة لمخلوقٍ في معصيةٍ الخالق » وللحديث المتقدّم في سعد بن أبي وقّاصٍ مع أمّه فقد عصى أمرها ، حين طلبت إليه ترك دينه ، وبقي على مصاحبتها بالمعروف برّاً بها . وعصيانه لها فيما أمرته به واجب ، فلا تطاع في أمرها له بترك الواجبات .
بم يكون البرّ ؟
يكون برّ الوالدين بالإحسان إليهما بالقول اللّيّن الدّالّ على الرّفق بهما والمحبّة لهما ، وتجنّب غليظ القول الموجب لنفرتهما ، وبمناداتهما بأحبّ الألفاظ إليهما ، كيا أمّي ويا أبي ، وليقل لهما ما ينفعهما في أمر دينهما ، ودنياهما ويعلّمهما ما يحتاجان إليه من أمور دينهما ، وليعاشرهما بالمعروف . أي بكلّ ما عرف من الشّرع جوازه ، فيطيعهما في فعل جميع ما يأمرانه به ، من واجبٍ أو مندوبٍ ، وفي ترك ما لا ضرر عليه في تركه ، ولا يحاذيهما في المشي ، فضلاً عن التّقدّم عليهما ، إلاّ لضرورةٍ نحو ظلامٍ ، وإذا دخل عليهما لا يجلس إلاّ بإذنهما ، وإذا قعد لا يقوم إلاّ بإذنهما ، ولا يستقبح منهما نحو البول عند كبرهما أو مرضهما لما في ذلك من أذيّتهما ، قال ابن عبّاسٍ : يريد البرّ بهما مع اللّطف ولين الجانب ، فلا يغلظ لهما في الجواب ، ولا يحدّ النّظر إليهما ، ولا يرفع صوته عليهما .
ومن برّهما صلة أهل ودّهما ، عن بن عمر قال: قال رسول الله :" إن أبر البر صلة المرء أهل ود أبيه بعد أن يولي"( ) فإن غاب أو مات يحفظ أهل ودّه ويحسن إليهم ، فإنّه من تمام الإحسان إليه .
هل دعوت لهما: عن أبي هريرة أن رسول الله " قال إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة أشياء من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له "( )
وكتبه
حسين بن عبد البديع الفقي